فإذن ، لا تصادم بين «السّماء فوق الأرض» أو «السّماء متّصفة بالفوقيّة فى الأعيان خارجيّة» على أن يكون موضوعها السّماء. وبين «ليست الفوقيّة ثابتة للسماء فى الأعيان خارجيّة» على أن يكون موضوعها الفوقيّة. نعم لو صدقت ليست الفوقيّة ثابتة للسّماء فى الخارج على أن يكون موضوعها الفوقيّة خارجيّة وذهنيّة مطلقا ، لزم أن يكذب أيضا «السّماء فوق الأرض فى الخارج خارجيّة» ، لأنّ اتّصاف السّماء (١٢) بالفوقيّة فى الخارج ، وثبوت الفوقيّة لها فى الأعيان إنّما يتحقّق فى الذّهن بحسب حال السّماء فى الوجود العينىّ. وذلك أحد ضربى الاتصاف الخارجىّ.
فما لم تتحقق الفوقيّة فى الأذهان ولم يوجد ثبوتها للسّماء فى الأذهان بحسب وجود السّماء فى الأعيان لم يصدق الحكم بأنّ اتّصاف السّماء بالفوقيّة اتّصاف خارجىّ ؛ إذ الاتّصاف العينيّ ليس إلاّ على ضربين : انضمامىّ ، ويعبّر عنه بثبوت الصّفة للموصوف فى الأعيان ، كثبوت البياض للجسم ؛ وانتزاعىّ. ويعبّر عنه بثبوت الصّفة للموصوف بحسب الأعيان ، كثبوت الفوقيّة والعمى للسّماء وزيد ، وهو إنّما يكون فى الذّهن. لكنّ المحكيّ عنه ومطابق الحكم إنّما هو وجود الموصوف فى الأعيان. فالخارج فى الأوّل ظرف الثّبوت ووعاؤه وفى الثّاني جهة الاتّصاف ومطابقة وما فيه أساسه وبناؤه. والمرجع إلى كون الخارج ظرف تحقّق الموصوف من حيث هو موصوف. وعلى ذلك يقاس حال الاتّصافات بحسب أنحاء الوجودات. هذا مستقرّ عرش التّحقيق ومستودع سرّ الحكمة.
وأمّا ما يتمجمج به رهط من متأخّرة المقلّدة لأتباع المشّائيّة ، من الفرق بين كون الخارج ظرف نفس النّسبة ، كالاتّصاف والثّبوت وغيرهما ، وبين كون الخارج ظرف ثبوت النّسبة ، وكذلك حال الذّهن ؛ فإمّا المصير فيه إلى ما تلى عليك وإمّا مجمجة لا تئول إلى مدرجة. أما تعرّفت أنّ معنى الوجود ليس إلاّ وقوع نفس الشّيء فى الأعيان أو فى الأذهان؟