ويعينك على تعقّل ذلك اعتبارك بما استضاء بمقابلة الشّمس ؛ فإنّه كلّما حجب عنها زال ضوؤه. فنفس الذّات هنا بمثابة الضّوء الواقع على الشّيء المستضيء هناك. لكنّ النّور الحقّ القائم بذاته لا يجوز أن يقاس بغيره ؛ إذ الأنوار المفارقة العقليّة ظلمة صرفة صريحة بالقياس إليه ، كالسّواد الحقّ بالنّسبة إلى البياض الصّرف إذا كان غير متناهى البياضيّة فضلا عن النّور الحسّىّ القائم بجرم الشّمس.
فإذن ، إفاضة المفيض الحقّ نفس الذّات المتقرّرة وأيسها مستمرّة متّصلة آنا فآنا ، بحيث لو أمسك عنها آنا رجعت الذّات إلى بطلانها الأزلىّ.
فسبحان الّذي يفعل الذّات ويفيض الوجود ويذوّت المفهوم والماهيّة التّقديريّة ذاتا حقيقيّة ، ثمّ يمسك الذّات ذاتا والوجود وجودا والاتّصاف اتّصافا بقوّته الّتي تمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وتمسك السّماوات والأرض أن تزولا. وَلَئِنْ زٰالَتٰا إِنْ أَمْسَكَهُمٰا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (فاطر/ ٣٥).
وكنّا قد نبّهناك من قبل : أنّ اتّصال الإفاضة آنا فآنا ، إنّما نعنى به : أنّه ـ عزّ مجده ـ يفعل الذّات مرّة واحدة فى الزّمان الشّخصىّ الّذي هو وعاء تقرّرها. فإذا حلّله العقل إلى أزمنة واحد منها آنات صارت تلك الإفاضة الواحدة بعينها مستمرّة فى جميع تلك الأحيان مختلفة بحسب النّسبة إليها. فإذن ، هى بما هى بالنّسبة إليه واحدة وبحسب أفق الزّمان عند التّحليل مستمرّة الذّوات متكثّرة الإضافات إلى الأحيان المتكثّرة عند الوهم.
<٢١> تمويه سفسطيّ وتفضيح فحصيّ
من الغاغة من خاف لومة العقلاء اللاّئمين بقوّة ظنّه الخسيس بأنّ بقاء الذّات مع بطلان العلّة ليس يستوجب استغناء الطباع الفاقر (١٠٦) ، إذ الممكن وإن لم يستغن عن العلّة حال كونه باقيا إلاّ أنّ تلك العلّة لا يجب أن تكون معه فى زمان واحد ، لجواز أن يكون حال بقائه معلّلا بعلّة كانت قبل ، وهى باطلة فى الحال ، فتكون هى أو كانت أوجبت المعلول بعد انفصالها إمّا بذاتها وإمّا بأن أعطته قوّة يبقى بها ، كما فى