جواز التّذوّت والتّجوهر والتّأيّس دائما دواما زمانيّا ، أى فى جميع الأزمنة ، وإن كانت باطلة الذّوات فى الأعيان أولا فى وعاء الدّهر وفى أنفسها أبدا فى لحاظ العقل ، لكان جاعلها ومذوتها ومؤيّسها قد جعلها وذوّتها وأيّسها ، لكنّها ليست تستحقّ التّذوّت والتّأيّس ما لم يتمّ استعداد موادّها لها. بتغيّرات تعرضها شيئا بعد شيء ما. ثمّ تمّت قوّتها على استحقاق التّذوّت والتّأيّس ، فجاد الجاعل الجواد الحقّ بالتّذويت والتّأييس.
ثمّ لو هو شيء مع المستنكرين ، وقيل : علّة التّعلّق بالجاعل كون المجعول مسبوقا بالبطلان ، على ما ظنّوه ، فهذا المعنى لا تنسلخ عنه الذّات ما دامت فى عالم التّقرّر ، فلم أنكروا تعلّقها بالجاعل ما دامت متقرّرة.
<٢٠> تنبيه تلخيصيّ
فإذ قد دريت أنّ الذّات المستفادة من الغير ؛ فإنّ كونها متعلّقة بالغير مقوّم لها ، كما أنّ الاستغناء عن الغير مقوّم لواجب الذّات والوجود بذاته ، والمقوّم للشّيء لا يجوز أن يفارقه. فالذّات إمّا من تلقاء الغير فتكون حاجته إلى الغير مقوّمة له ، وإمّا لا من لا تلقاء شيء فيكون استغناؤه عن كلّ شيء مقوّما له. وأعنى بالمقوّم هاهنا ما بحسب نفس ذات الشّيء ، فلا يصحّ أن يستمرّ الذّات المحتاجة غير محتاجة. كما أنّه لا يجوز أن يتسرمد المستغنى عن كلّ شيء محتاجا ، وإلاّ فقد تبدّلت الذّات والحقائق.
فإذن ، الذّات كما تستند إلى جاعل يذوتها ، أى : يفعل نفسها حين الحدوث فكذلك تستند إليه فى الحين المتأخّر ، وفى الحين الأوّل أصل التقرّر وفى الثانى بقاؤه. فهى فى ابتداء تقرّرها وفى استمرارها تتعلّق بالجاعل الّذي يفعلها ويذوّتها. وحاجتها إليه فى فيضانها وبقائها أخيرا كحاجتها إليه فى بدئها أوّلا.
فلو فرض انصرام فيضان نور الفيض من الجاعل الصّانع على عالم التّقرّر فى آن ، لم تبق ذات ذاتا ولا أيس أيسا ولا العالم عالما.