<٢٢> بسط
فقد تبيّن أنّ الفاعل ليس هو فاعل الحدوث ، بل هو فاعل الذّات والوجود ؛ وسبق البطلان صفة للمجعول ذاتيّة. والذّاتىّ لا سبب له ولا يفارق ما هو ذاتىّ له. فلو أراد الفاعل أن يفعل الحادث الزّمانىّ من غير سبق البطلان لما تصوّر ذلك ، فضلا عن أن يتصوّر تحقّقه ، على أنّه لو أمكن أن يفعله من غير سبق البطلان لتمّ ما ريم بيانه ؛ وهو انتساب ما ليس بحادث زمانىّ إلى الفاعل.
فإن لجّ لاجّ وقال : طباع الجعل أن لا يكون إلاّ بعد سبق البطلان ، وقد سبق أنّ سبق البطلان ليس من الجاعل ؛ بل الذّات الّتي منه فى آن ما ، فليكن ذلك الآن متصلا سيّالا فى جملة الزّمان.
فإن أزاغه عن هذا قوله : «إنّ المجعول لا يجعله جاعل» ، فليعلم أنّ المغالطة وقعت فى لفظ «يجعله» ، فإن عنى : أنّ المجعول لا يستأنف له تقرّر مبتدأ فصحيح. وكيف يقال : إنّ المجعول قد استونف له مجعوليّة ، وإن عنى أنّه بما هو هو لا يكون حين المجعوليّة بحيث ماهيّته لا يقتضي التقرّر ، بل شيء آخر هو الّذي منه هذه الذّات المتقرّرة ، فهو ما فيه الخطأ : فإنّه : إمّا أن يجعله الجاعل فى البطلان أو فى حال التّذوّت أو فى الحالين جميعا. ومعلوم أنّه فى حال البطلان ليس مجعولا. ويبطل أيضا بهذا أن يكون مجعولا فى الحالين جميعا. فيبقى أنّه يجعله حين إذ هو مجعول بذلك الجعل ، فيكون المجعول يوصف بأنّه مجعول شيء. وعسى أنّ لفظ «يجعل» يوهم جعلا مستقلاّ ليس فى الحال.
فإن أزيل هذا الإيهام ، صحّ أنّ المجعول يجعل ، أى يوصف : بأنّه مجعول. فكما يقال: إنّه فى حال ما هو مجعول يوصف بالمجعوليّة ، ولا نعنى ب «يوصف» : أنّه فى الاستقبال يوصف ، كذلك لفظة «يجعل». فلسنا نقول : المجعول يستأنف بجعل آخر ، بل إنّه محتاج إلى مستبق ومستحفظ هو جاعله بنفس ذلك الجعل.