من تلقاء ذوات المجعولات فهى من تلقاء الجاعل. ثمّ هى بأنفسها موصوفة بالحدوث الدّهرىّ، كما فى الحدوث الذّاتىّ والحدوث الزّمانىّ.
<٢٣> توفية
إنّك قد ميّزت بين ما يدخل فى مفهوم المجعول والمفعول والمصنوع بالذّات وبين ما يقع فى ذلك المفهوم بالعرض ؛ فينبغى أن تجتهد فتحذف عن الفعل كلّ ما يزاد ممّا لا مدخل له فى جوهر المفهوم. وإنّما يجب أن يصدّق به فى مادّة مادّة بأنظار فحصيّة ، بعد العلم بتحقّق أصل مفهوم ، ككون الفعل بعد بطلان المفعول بعديّة بالزّمان ، أو أنّ الفاعل فعل بحركة أو بغير حركة بمباشرة أو لا بمباشرة ، وبآلة أو لا بآلة ، وبطبع أو بتولّد أو بقصد اختيارىّ ، وبإرادة زائدة على ذات الفاعل أو بإرادة هى عين ذات الفاعل. فكلّ ذلك خارج عن حدّ مفهوم اللّفظ.
فلو أورد شيء من ذلك لم ينقض كون الفعل فعلا أو يتضمّن تكريرا فى المفهوم. أمّا النّقض فلو كان مفهوم الفعل يمنع شيئا من تلك الامور. وأمّا التّكرير فلو كان يدخل فيه شيء منها ، فإذن لا يعلم شيء من هذه الامور إلاّ بالنّظر فيما هو وراء مفهوم اللفظ. ومن استوفى مناولة لغة العرب صادف استعمالات للفظة الفعل فى كلّ من هذه الأصناف. على أنّ تفرط النّظر العقلىّ بالبحث عن الأوضاع اللغويّة ليس من سنن الحكماء المتألهين.
وأيضا ، كلّ من اصطلح على ما شاء فلا مشاحّة فيه ، ولا سيّما إذا لم يوجب استضرارا فى الأغراض العلميّة ، وقد استقصينا تداولات أئمّة اللّسان ، فربّما وجدنا الفعل كأنّه أوّل على ذلك المعنى المرسل أو المجرّد. وكلّ من الإيجاد والصّنع كأنّه أشمل لاعتبار شيء آخر. ثمّ إنّ ما حمل أبناء دعوى التّمييز منهم على هذه الظنون المستهجنة لمن سواقط الأوهام المغالطيّة.
أمّا حديث البناء والبنّاء والمنىّ والممنى وسائر ما من ذلك السّبيل فمن باب الأغلاط من جهة أخذ ما بالعرض مكان ما بالذّات. والّتي تظنّ عللا فهى ليست عللا