وأمّا قولهم : «تأثير الجاعل فى المجعول الباقى (١٠٨) : إمّا بأن يكون الأثر فى البقاء نفس الذّات المجعولة والوجود المفاد ، فيلزم تحصيل الحاصل وجعل المجعول ، أو أمرا جديدا ، فيكون التّأثير فى ذلك الأمر الجديد ، لا فى الذّات الباقية» ؛ فلقد كرّر عليك اسلوب فساده. فالأثر نفس الذّات والوجود بنفس الجعل الواحد المستمرّ وتحصيل الحاصل بنفس التّحصيل الأوّل ، لا استحالته فيه ، بل هو من الامور الثّابتة بالضّرورة البيّنة.
فإن لوحظت وحدة الذّات المجعولة المستمرّة فى الأزمنة المتكثّرة فى الوهم كان الجعل أيضا واحدا مستمرّ الاتصال ؛ وإن لوحظت كثرة ما فى الذّات المجعولة إضافيّة بحسب الإضافة إلى تلك الأزمنة يكون تكثّر الإضافات إلى تلك الأزمنة قد لحق ذلك الجعل الواحد أيضا. وهناك أيضا أثر جديد وراء نفس الذّات والوجود ، وهو البقاء ؛ فإنّ الجاعل بعد الإحداث يحفظ الذّات ويديمها بإدامة الجعل ، فيفيد الذّات بتلك الإدامة معنى ما هو البقاء ، وهو يعرض الذّات المدامة بدوام الجعل ، وهو المعنىّ بإبقاء الذّات وإدامتها. وعروض ذلك المعنى للذّات يتبع بإدامة الذّات ، أى دوام الجعل ، ولا تنسلخ عنه الذّات ما دامت مستفادة مستحفظة.
وأمّا أنّه إذا كان المتعلق بالجاعل نفس الذّات والوجود ، لا من جهة المسبوقيّة بالبطلان ، يسرى ذلك إلى الفاعل ، بل إلى جاعل الكلّ ـ تعالى عن ذلك ـ فظلم واضح ، أليس مناط التّعلّق بالجاعل كون الذّات غير ضروريّة التّقرّر نفسها ، وكون الوجود وجود الماهيّة ، لا وجود نفسه.
<٢٤> مشاجرات وحكومة
الفلاسفة المتهوّسون بقدم المعلولات لمّا تعطّلت عقولهم عن مسلوك السّلوك الرّوعىّ إلى تعرّف معنى الحدوث الدّهرىّ وتميّزه (١) عن الحدوث الزّمانىّ جعلوا
__________________
(١). أى : بحسب التحقّق لا بحسب المفهوم ، فإنّهم يميّزون بينهما بحسب المفهوم. لكنّهم يقولون : إنّ كلّ حادث دهرىّ فهو حادث زمانىّ أيضا. منه ، قدّس سرّه.