طائفة من المعلولات وأئمّة الذّوات فى الأعيان وإن كانت حوادث ذاتيّة فى لحاظ العقل ، وحكموا باستنادها إلى جاعل الكلّ ـ عزّ مجده ـ استنادا أزليّا أبديّا (١).
والمتكلمون حيث كانوا أحطّ درجة فى إدراك المعقول وأخسّ نصابا من تعرّف الحقيقة وأشدّ بعادا عن سبل عالم الملكوت جعلوا الأنوار الحادقة أيضا زمانيّات ، وحدوثها حدوثا زمانيّا ، وقاطبة ذوات الممكنات متّصفات بالحدوث الزّمانىّ وأصرّوا فى استنكار استناد الشّيء الدّائم دواما زمانيّا إلى علّة.
ثمّ من فضائح جهالات فئة منهم ، تلقّب بالأشعريّة ، إثباتهم مع القيّوم الواجب بالذّات قدماء ثمانية سمّوها صفات المبدأ الأوّل ـ جلّ ذكره ـ فهم بين أن يجعلوا الواجب لذاته تسعة وبين أن يجعلوها معلولات لذات واجبة هى علّتها. وهذا شيء إن احترزوا عن التّصريح به لفظا فلا محيص لهم من ذلك معنى ، فيكشف أنّهم كاذبون فى دعواهم التّواطؤ على نفى العليّة والمعلوليّة لو اتفق أن كان المعلول أزليّا.
ومعلّم الحكمة اليمانيّة ـ إذ حاول أن يحمل عرش نضج الحكمة فهداه ربّه سواء السّبيل وأراه رواء التّحصيل وجعله من الأمّة الوسط الحاكمة بقسطاس التّعديل ومن الّذين هم قادة القول إلى شرعة صقع الحقّ وطرفة عالم القدس بإراءة الطريق وإقامة الدّليل ـ تعرّف وعرّف أنّ الطبائع الإمكانيّة والهويّات الجوازيّة بأسرها حوادث ذاتيّة وحوادث دهريّة. فطائفة منها مقتصرة على الحدوثين وطائفة أخرى صارت مع ذلك حوادث زمانيّة أيضا. والجميع مخلوقات البارى الفاطر ومفطوراته ، جلّ ذكره.
فإذن ، الفلاسفة إنّما حادوا عن الحقّ وانصرفوا عن حقيقة الحكمة إلى شبح الفلسفة فى جعلهم الطبائع المعلوليّة والحقائق الجوازيّة دائمة الذّوات فى الأعيان ، غير مسبوقة بالبطلان فى الخارج أصلا ، لا فى إسنادهم المستوعبات بجميع الأزمنة ـ وهى الذّوات الزّمانيّة الموصوفات بالدّوام الزّمانىّ ـ إلى تأثير الجاعل السّرمديّ ، تعالى مجده.
__________________
(١). سواء كان ازليّا زمانيّا ، كحركات الأفلاك ، أو أزليّا دهريّا سرمديّا ، كالمفارقات المحضة عندهم. منه ، طاب ثراه.