بالمتكلمين ، بل إنّ مناط الفعليّة هو الوجوب ، والممكن يجب أن يجب بالعلّة وبالقياس إليها ، وإلاّ لم يصحّ أن يتقرّر ، وعليّته يجب أن تجب بالقياس إليه فقط ، ويمتنع أن تجب به.
أليس إذا لم يكن واجبا عند وجود العلّة بها وبالقياس إليها ، بل كان أولى ، فحسب ، كان فى حدّ الإمكان عنه بعد ، إذ لا وجه للامتناع عنه ، فكان مع تلك الأولويّة وبحسبها يجوز أن يتقرّر وأن لا يتقرّر غير متعيّن التّخصّص بأحدهما. فيعود طلب سبب التّرجيح جذعا (١) ، إذ الأولويّة مشتركة بين الطّرفين ومتحفظة فى الصّورتين ، فإذن هى مستوية النّسبة إلى الأمرين مع انحفاظ تحقّق العلّة واستمرار ذاتها.
فيكون الممكن المعلول مع تلك الأولويّة يحتاج من رأس إلى حصول شيء ثالث ، يتعيّن له به التّقرّر عن البطلان أو البطلان عن التّقرّر عند حصول العلّة. ثمّ هو أيضا غير مفيد الوجود ، بل إنّما بحسبه الجواز ، فلا يقف الطلب ويتمادى الأمر إلى نهاية. وإذن فى كلّ مرتبة لا يكون ما فرض سببا بسبب ، ويلزم خرق الفرض متماديا إلى لا نهاية أيضا.
وإذا تمادى إلى لا نهاية لا يكون مع ذلك فضل تعيّن للتغيّر أو للاّتقرّر ؛ إذ كلّ من المراتب الغير المتناهية ، كالمرتبة المبتدأة فى استواء النّسبة الأولويّة فيها مع فرض حصول ما فرض سببا إلى طرفى الفعليّة واللاّفعليّة ، فيكون ـ مع حصول تلك الأسباب المتمادية إلى لا نهاية بأسرها مجتمعة ـ استواء تلك النّسبة باقيا على شأنه ، فإذن ، ذلك التّمادى (١١٠) ليس يفيد تعيّنا لأحد الأمرين بالضّرورة.
فإذن تبيّن أنّ هذا محال ، لا من جهة أنّه ذاهب إلى لا نهاية فى العلل ؛ لأنّ ذلك فى هذا الموضع ، بعد ، مشكوك فى إحالته إلى أن يحين حين أن نبرهن استحالته ، بل من جهة أنّه مع ذلك لم يحصل ، بعد ، ما به يتخصّص ما قد فرض متخصّصا بأحد الأمرين.
[وبالجملة ، الوجوب يبتّ النّسبة الجوازيّة إلى العقليّة واللاّفعليّة ويعيّن أحد
__________________
(١). فلان فى هذا الأمر جذع ، أى : أخذ فيه حديثا.