وقولك : «الماهيّة المطلقة والحيوان من حيث هو هو ، إلى غير ذلك من التعبيرات» ، بيان للإطلاق نفيا لتوهّم التّقييد ، لا تقييد بالإطلاق وعدم التّقييد.
فاهجر وهمك واعتبر : أنّ الحيوان من حيث هو هو وإن لم يكن يعتريه فى نفسه أن يكشف بقيد أصلا ، لكنّ العقل يلحظه تارة من حيث هذا العنوان وتارة بما هو حيوان ، فتجد الاعتبار الأوّل أخصّ وإن صدق هو على الملحوظ بالاعتبار الثّاني وكان فى نفس الأمر هو بعينه الحيوان (١٥) بما هو حيوان.
وأمّا ما يقال : «إنّ مرجع العموم المطلق إلى موجبة كلّيّة دائمة فى جانب الخاصّ ، وسالبة جزئيّة فعليّة من جانب العامّ. ويلزم من ذلك صدق قولنا : كلّ حيوان بلا قيد حيوان بما هو حيوان دائما ، وبعض الحيوان بما هو حيوان ليس حيوانا بلا قيد بالفعل».
فربما أزيح : بعدم التّسليم ؛ فإنّ المتنفّس بالفعل أعمّ من الإنسان ، مع أنّه لا يصدق : «كلّ إنسان متنفّس بالفعل دائما». بل المرجع إلى موجّهتين متضادّتين : إمّا موجبة كليّة مطلقة عامّة أو سالبة جزئيّة دائمة ، كقولك : «كلّ إنسان متنفّس بالفعل ، وبعض المتنفّس بالفعل ليس إنسانا» دائما ، أو غيرهما ، كما فى عموم المنكسف بالنّسبة إلى القمر من قولك : «كلّ قمر منكسف بالضّرورة وقتا مّا لا دائما ، وبعض المنكسف ليس قمرا بالضّرورة الدّائمة أو دائما».
ولا مرية فى صدق قولنا : «بعض الحيوان ليس حيوانا» بلا قيد بلحاظة الاعتبار. نعم لا يصدق ما لم يلحظ تغاير الاعتبارين. على أنّ صدق الكلّية من جانب الخاصّ غير لازم إلاّ فى القضايا الحاصرات دون الطبيعيّات. أفليس الإنسان أخصّ من النّوع وزيد من الإنسان ، وليس تصدق كليّة موضوعها الأخصّ.
وإن اجرى على الطّبيعة والشّخصيّة حكم الكليّة ، قيل : فكذلك فيما تصدّينا له ، فيكفى صدق قولنا : «الحيوان بلا قيد حيوان ، والحيوان بما هو حيوان ببعض الاعتبارات ليس حيوانا بلا قيد» ؛ لتحقّق العموم بحسب الاعتبار.