حقيقة وبالذّات ، فكيف يكون أحدهما موجودا بوجود الآخر بالذّات والآخر بوجوده بالعرض.
قيل : الموجود ذات واحدة يحلّلها العقل إلى طبيعة وفرد ، فيجد أنّ كلاّ منهما يوجد بذلك النّحو من الوجود بعينه حقيقة وبالذّات ، إلاّ أنّ ذلك الوجود من حيث إنّه للفرد ينسب إلى الطبيعة الّتي هى من ذاتيّاته بالذّات ، فيصحّ الحمل بالذّات ومن حيث إنّه للطبيعة ينسب إلى الفرد الّذي هو من خواصّها بالعرض ، فيكون الحمل بالعرض.
أليس قد قرع سمعك ما يشبه ذلك ، من أنّ الجنس عرض عامّ للفصل ومحمول عليه حملا بالعرض ، مع أنّ كليهما موجودان بوجود واحد شخصىّ هو وجود الشّخص والنّوع بالذّات. فوجود شخص ما من النّوع من حيث إنّه وجود ذلك الشّخص ينسب إلى النّوع والجنس والفصل بالذّات وإن كان من حيث إنّه وجود الفصل منسوبا إلى الجنس بالعرض (١٧).
والسّرّ : أنّ وجود الشّخص من حيث إنّه وجوده هو بعينه لجميع ذاتيّاته بالذّات ولجملة عرضيّاته بالعرض. وليس من حيث إنّه وجود بعض من ذاتيّاته لسائر ذاتيّاته بالذّات ، أو من حيث إنّه وجود بعض من عرضيّاته لسائر عرضيّاته بالعرض ولا ينقبض العقل من اختلاف الأحكام حيث تختلف الحيثيّات.
فالحيوان ، كما أنّه يوجد بوجود الإنسان ، مثلا ، من حيث إنّ ذلك وجود له حقيقة وإن اتفق أن صار بعينه وجود الإنسان ، كذلك يوجد أيضا بذلك الوجود من حيث إنّه وجود الإنسان حقيقة.
فذلك الوجود وجود الحيوان حقيقة باعتبارين ، بخلاف الإنسان ، فإنّه إنّما يوجد بذلك النّحو من الوجود بالذّات من حيث إنّه وجوده حقيقة ومن حيث إنّه وجود بعض أشخاصه ، لا من حيث إنّه وجود الحيوان حقيقة أيضا ؛ فإنّه إنّما يكون من هذه الحيثيّة للإنسان بالعرض.