فإلى كلّ واحد واحد من أجزائه وحدوده على نسبة متقرّرة متشابهة غير مختلفة أصلا متقدّسة عن الموافاة المكانيّة والقرب والبعد المتقدّرين ، وإطلاق القرب عليه ـ تعالى ـ بمعنى أجلّ ممّا يتعرّفه الجمهور من الغاغة. ولهذه المسائل محتد فى «الصّرحة الثّانية» الّتي فيها يحصل الشّطر الرّبوبيّ إن شاء اللّه تعالى.
<٣> إلاحة ملكوتيّة
الآن تهيّأ أن نلوّح لك : أنّ الأزل على ضربين : أزل زمانىّ وأزل سرمدىّ أرفع من الزّمانىّ.
(١) فأمّا الأزل السّرمديّ ، فهو ما بحسب وجود المبدأ الأوّل ـ تعالى ـ وجودا صرفا متقدّسا عن الامتداد والاستمرار وعن مقابلهما اللّذين باعتبار الدّفعيّة وعدم البقاء ـ سبحان اللّه عن ذلك ـ وعدم الزّمان عدما صرفا بمعزل أيضا عن ذلك ، متقدّما على وجوده تقدّما سرمديّا لا زمانيّا. والزّمان بامتداده الاتصالىّ وبكلّ جزء من أجزائه الممكن انحلاله إليها ، لا بطرفه فقط ، مسبوق بهذا الأزل. ونسبة الزّمان الماضى إليه كنسبة الزّمان المستقبل إليه من غير فرق. فليس مثلا زمان آدم عليه السّلام بالنّسبة إليه بأقرب من زماننا هذا ، بل جميع الأزمنة والآنات سواسية بالنّسبة إليه. ومع وجود الزّمان ذلك العدم مرتفع فى الواقع. والمبدأ الأوّل ـ تعالى ـ باق متفرّد موجود فى الواقع ، وهو محيط بجميع الأزمنة وبقاطبة الموجودات.
فإذن ، أزليّة عدم الزّمان بل جملة الجائزات معناها سبقه على الجميع سبقا سرمديّا. وأزليّة القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ ليس معناها ذلك فقط ، بل مفهومها سبق وجوده المتعالى عن شوب العدم من كلّ وجه على وجود الزّمان وجميع الممكنات سبقا سرمديّا ، ثمّ إحاطته بكلّ ما تسعة الشّيئيّة ويشمله الوجود إحاطة تامّة على نسبة واحدة يعبّر عنها بالمعيّة الغير الزّمانيّة.
فحيث الأزليّة لا يعقل ماض ولا مستقبل ، وهى محيطة بالمستقبل إحاطتها بالماضى من غير فرق. فجميع الأزمنة والزّمانيّات نسبتها إلى هذه الأزليّة على شاكلة