والأبديّة من القسم الأوّل. ومن متأخرة المقلّدة من يقول : أزليّة الشّيء إثبات السّابقيّة له على غيره ونفي المسبوقيّة عنه.
وأمّا الفرقة المتسمّية بالمتكلمين ، فإذا إنّهم يتوهّمون أنّ بين وجود الجاعل المبدع ـ تعالى ذكره ـ وبين حدوث العالم عدما للعالم مستمرّا إلى حين حدوثه متماديا فى جهة المبدأ لا إلى أوّل أصلا ؛ فيضعون بحسب هذا الوهم أزمنة موهومة غير متناهية من جهة المبدأ منبتة التّمادى الوهمىّ من جهة المنتهى عند حدوث العالم ، ويعبّرون عن ذلك الامتداد الموهوم الغير المتناهى بالأزل.
ولا يستصحّ ذلك إلاّ القرائح السّقيمة والغرائز العقيمة ولا يكاد يذهب إليه إلاّ مسياح الوهم المتوغّل فى هتيهة الطبيعة الجسمانيّة وتيهاء الظلمة الهيولانيّة.
<٥> إخاذة
الضّرورة الفطريّة قاضية بأنّ للمحرّك بما هو متحرّك حالة موجودة وأنّ تلك الحالة توجد فى كلّ آن من زمان الحركة ؛ فليس يخلو إمّا أن يكون له فى كلّ آن وفى كلّ حدّ حالة اخرى. والحالات الآنيّة المتعدّدة بالشّخص إن اتصل بعضها ببعض من غير أن يكون هناك شيء آخر فاصل يلزم تشافع الآنات وتركّب المسافة من حدود غير منقسمة ، والبرهان قد أحاله ؛ وإن لم يكن بينها اتصال كان هناك سكون وبطلان للحركة فى الوسط قبل الوصول إلى المنتهى ، والفرض قد أبطله.
فإذن ، تعيّن أن يكون حالة التوسّط واحدة بالشّخص مستمرّة باقية بعينها ما دام موضوع الحركة متحرّكا متوسّطا بين المبدأ والمنتهى ، ولا محالة ينطبق عليها من قبل الزّمان أيضا أمر بسيط مستمرّ ، وهو الآن السّيّال.
وأيضا ، الحركة الممتدّة الّتي هى قطع المسافة والمنطبق عليها. والزمان الممتدّ الّذي هو مقدارها والمنطبق عليها امتدادان مرتسمان فى الخيال ، والعقل جازم بأنّه مهما انفصل شيء منهما إلى أجزاء يمتنع بالنّظر إلى ذوات تلك الأجزاء أن يوجد فى الأعيان على سبيل المعيّة والاجتماع فى افق الزّمان ، بل إنّما على سبيل التّقدّم