وهو غير زينون الأكبر ، وبرمانيدس وغيرهما ، عقودا وشكوكا قويّة الإعضال شديدة الإعياء فى نفى الحركة مطلقا وقد اغتيل بها وافتتن عليها فريق من متشككى الإسلاميين ، كالغيلانىّ [أفضل الدّين] ومثير فتنة التّشكيك وغيرهما. وقد زعم قوم أنّ لإنكار وجود الحركة بمعنى القطع فى الأعيان عن مضائق التّهويشات.
ثمّ فئة من الأتباع والمقلّدة قد اتّخذت ذلك مذهبا ، سبيله أنّ الموجود فى الأعيان إنّما هو التّوسّط والآن السيّال لا غير. ولكن على وجه يستتبع ارتسام الحركة المتصلة والزّمان الممتدّ فى الأذهان الخياليّة ، وظنّت أنّ ذلك منهج رؤساء الفلاسفة ، ولم تعرف أنّه لم يكن يلتجئ إليه إلاّ من اضطرّه تعضيل الشّبه والشّكوك المستصعبة إلى سلوك طرق مستوعرة يعدّها سبل تفصّيات منتظرة. ونحن إذ أحصفنا الأمر وأوضحنا السّبيل فحرىّ بنا أن ننتقل الآن إلى حلّ عقود الشّبه وفكّ عقد الأوهام. استغاثة بالعزيز الحكيم واستيفاقا من العليم العلاّم.
<١٣>شكّ وفحص
ربما يتشكّك فيقال : الجسم فى آن انتقاله من السّكون إلى الحركة موجود ، وليس موصوفا بالسّكون ولا بالحركة. ولا يمكن أن يقال : إنّ الجسم فى ذلك الآن موجود فى العقل ، لا فى الأعيان. فإذن ، لزم واسطة بين السّكون والحركة المتقابلين ؛ وأيضا نعيّن آنا فى زمان الحركة ، فنقول : أفيه حركة ، فتقع الحركة فى آن وتستلزم جزءا لا يتجزّى فى المسافة وقد أبطله البرهان ، أو سكون ، فثبتت الحركة وقد وضع أنّها متصلة واحدة غير ملتئمة من المتبددات حذاء اتّصال المسافة. ثمّ من المتحرّكات ما فى طباعه مبدأ امتناع السّكون ، كالفلكيّات ، أو ليس فيه سكون وحركة فيخلو الموضوع القابل عنهما وهو محال.
ويزاح : بأنّ وجود الحركة لا يكون إلاّ فى زمان ، وكذلك وجود السّكون ، وانتفاؤهما عن شيء من شأنه أن يوجد أحدهما فيه يوجب واسطة بينهما. لكنّ الجسم بحسب الوجود فى الآن الّذي هو الفعل المشترك بين زمان السّكون وزمان