«فعليّة حصول الشّيء على سبيل التّدريج متفق عليه بين الحكماء. ولى فيه شكّ ؛ فإنّ لقائل أن يقول : الشيء إذا تغيّر فذلك التّغيّر إمّا أن يكون لحصول شيء فيه أو لزوال شيء عنه ؛ فإنّه إن لم يحدث فيه شيء ممّا كان معدوما ولم يزل عنه شيء ممّا يكون موجودا ، وجب أن يكون حاله فى ذلك الآن كحاله قبل ذلك ، فلا يكون فيه تغيّر وقد فرض كذلك، هذا خلف. فإذن ، الشّيء إذا تغيّر فلا بدّ إمّا من حدوث شيء فيه أو زوال شيء عنه ؛ فليفرض أنّه حدث فيه شيء.
فذلك الشّيء الّذي حدث كان معدوما ثمّ صار موجودا ؛ وكلّ ما كان كذلك فلوجوده ابتداء غير منقسم ، وإلاّ لكان أحد جزئيه الابتداء لا هو الابتداء. فذلك الّذي حدث : إمّا أن يكون فى ابتداء وجوده موجودا أو لا يكون ؛ فإن لم يكن فهو بعد فى عدمه ، لا فى ابتداء وجوده. وإن حصل له وجود فلا يخلو : إمّا أن يكون قد بقى منه شيء بالقوّة أو لم يبق. فإن لم يبق فالشّيء قد حصل بتمامه فى أوّل حدوثه وهو حاصل دفعة ، لا يسيرا يسيرا ، وإن بقى منه شيء بالقوّة فذلك الّذي بقى : إمّا أن يكون عين الّذي وجد وهو محال ، لاستحالة أن يكون الشّيء الواحد موجودا معدوما دفعة واحدة ، وإمّا أن يكون غيره ، فحينئذ ، الّذي حصل أوّلا فقد حصل بتمامه ، والّذي لم يحصل معدوم ، فليس هناك شيء واحد له حصول على التّدريج ، بل هناك امور متتالية.
فالحاصل : أنّ الشيء الأحدىّ الذات يمتنع أن يكون له حصول إلاّ دفعة. نعم ، الشّيء الّذي له أجزاء كثيرة أمكن أن يقال : إنّ حصوله على التّدريج على معنى أنّ كلّ واحد من تلك الأفراد الحقيقيّة إنّما يحصل فى حين بعد حين بعد حصول الآخر. وإمّا على التّحقيق فقد حدث بتمامه دفعة. وكلّما لم يحدث فهو بتمامه معدوم» فهذا ما عقدته أوهام المتشككين. (المباحث المشرقية ، ج ١ ، ص ٥٤٩)
ومعلّم المشّائية حاول الانفكاك : بأنّ الموجود من الحركة إنّما هو التّوسّط وهو ليس أمرا سيّالا ، لا يكون مقتضيا ولاحقا ، وقرره الرّؤساء والتّلامذة.
ثمّ متفلسفة الأتباع والمقلّدين لم يتفطنوا للمرام فتوهّموا أنّ ما عني هو أنّ هذا