التّشكيك إنّما يستلزم نفى الحركة بمعنى القطع ، وهى غير موجودة فى الأعيان ، لا التّوسّط الّذي هو الموجود ؛ وظنّوا أنّ ذلك هو سبيل الصّناعة ؛ وزاغت أبصار بصائرهم عن لحاظ أنّ هذا الشّكّ عقدة مغالطيّة ، لا تخصّص لها بأحد الوجودين.
ولذلك حوول بذلك فى حضور الأوائل إبطال حصول الحركة المتصلة مطلقا ، سواء كان فى الأعيان أو فى الأذهان ؛ فإنّه إذا لم يكن حصول الشّيء الواحد فى نفسه على سبيل التّدريج معقولا لم يتصوّر حدوثه تدريجا لا فى العين ولا فى الذّهن.
فإذن ، تعبية الأمر فى الوجود العينىّ تدريجا وتفصيل الارتسام فى الذّهن على سبيل التّدريج سبيلهما واحد. وإنّ جمهور هؤلاء المقلّدين ، النّافيين لوجود الحركة بمعنى القطع فى الأعيان ، يذهبون إلى أنّ استمرار ذات التّوسّط وعدم استمرار نسبته إلى الحدود المفترضة للمسافة فى الأعيان يوجب حدوث ارتسام الحركة بمعنى القطع فى الذّهن على سبيل التّدريج والتفصيل عليهم أيضا ناهض هناك بتّة ولا تعويل إلاّ على حلّ عقد الإشكال وجبّ عرق الإعضال بتفضيح التّدليس وإفشاء التّلبيس.
وسبيله على سياق ما كرّر عليك أن يقال : إنّ وجود الشّيء بتمامه فى الآن أخصّ من حدوده بتمامه مطلقا ؛ فإنّ ذلك قد يكون فى الزّمان لا فى الآن. ووحدة الشيء المتصل فى ذاته لا تأبى ذلك أصلا ، والتدريج فى الوجود الحدوثىّ أو البقائىّ لا يصادم وجود الشّيء المتصل الواحد فى نفسه بتمامه فى مجموع الزّمان الّذي هو أيضا متصل واحد شخصىّ ، بل إنّما ينافى وجوده وهويّته الامتداديّة بعينها فى آن أو فى شيء من أبعاض الزّمان المنطبق عليه.
وليس فى طباع كلّ حادث استيجاب أن يكون لحدوثه بتمامه ابتداء غير منقسم على أن يختصّ وجوده بهويّته الامتداديّة لو كانت له بأن تتحقق فيه ، بل الحادث المتصل الواحد الّذي لا جزء له بالفعل أصلا يوجد فى الزّمان المتصل الواحد الّذي لا جزء له أيضا بالفعل أصلا ولا يكون لوجوده ابتداء وراء ذلك.
فالحاصل : أنّ الشّيء الأحدىّ الذّات إذا كان والهويّة اتصاليّة يصلح للانفصال إلى أجزاء كثيرة فى فرض الذّهن أمكن أن يكون حدوثه بما له تلك الهويّة الاتصاليّة على