المتّصلة والآن السّيّال الرّاسم للزّمان الممتدّ الّذي هو مقدار الحالّ فيها ، لا أوّل لوجودهما فى افق الزّمان على معنى أنّ أىّ زمان فرض فقد كان لهما وجود حاصل فى زمان قبله ، وهكذا إلى لا نهاية على ما يزعمه رؤساء الفلسفة ، وذلك معنى الأزليّة الزّمانيّة وكون الشّيء لا بداية لوجوده فى الأزل الزّمانىّ عندهم ، لزم أن يرتسم من ذلك فى النّفوس المنطبعة الفلكيّة زمان ممتدّ غير متناهى الكميّة وحركة متصلة غير متناهية المقدار على أن يحدث الارتسام تدريجا.
فما قد تمّ حدوث ارتسام تدريجا يبقى بجملة هويّته الاتّصاليّة دفعة واحدة معا. وذلك بعينه ما قد أبطلته أدلّتهم وأحالته براهينهم على شعور منهم بالأمر وإذ عان منهم للحقّ.
فإذن ، لا تسع فلسفتهم إلاّ الحكم البتىّ بأنّه ليس يمكن أن يتمادى الأزل الزّمانىّ إلى لا نهاية ، وأنّه يستحيل أن يكون لشيء من الأشياء الزّمانيّة ، كالحركة التّوسّطيّة الفلكيّة أو الآن السّيّال أو أىّ شيء كان أزليّة زمانيّة على معنى أن يكون له وجود فى أزمنة غير متناهية فى جانب الماضى. وكذلك يستحيل أن يكون لامور متسابقة وجودات متعاقبة فى جانب الأزل لا إلى بداية ؛ إذ ليس يتصوّر ذلك إلاّ بزمان غير متناهى المقدار وأزمنة غير متناهية العدد ، إمّا فى الأعيان أو فى الأذهان السّماويّة والنّفوس الفلكيّة. فإذن ، قد سطح الحقّ وبطل ما كانوا يزعمون. فلعلّ هذا سبيل طبخ الفلسفة ونضج الحكمة الحقّة وإن كان أكثر النّاس لا يشعرون.
<٣٦> تكشاف إيقاظيّ
لا تحسبنّ تناهى اتصال الحركة وامتداد الزّمان فى جانب الأزل ، وكذلك تناهى الحوادث الزّمانيّة المتعاقبة فى جانب الماضى ما هو ملاك الأمر فى أن يتبرهن مسبوقيّة تقرّر تلك الأشياء بالبطلان وسبق عدمها على الوجود بحسب الوقوع فى الأعيان وفى وعاء الدّهر. فنحن إنّما حكمنا بذلك لانسياق الفحص والبرهان إليه من دون أن نروم استعانة به فى غرضنا الأصليّ ، وهو إثبات «الحدوث الدّهرىّ»