لها. وإنّك ستساق فيه إلى مساق الحقّ من سبيله إن شاء اللّه. فالآن ما رمنا إلاّ إحقاق حقّ هذه المسألة فى نفسها.
فكأنّا قد أسمعناك من قبل : أنّ تناهي مقدار الزّمان وعدد الموجودات الزّمانيّة فى جانب الماضى ليس يصادم دوام الوجود فى وعاء الدّهر (١٦٢) غير مسبوق بالعدم مسبوقيّة دهريّة. كما أنّ تناهي مقادير الأبعاد المكانيّة ليس يصادم ذلك المتناهى ؛ فإنّ الكم المتناهى المقدار ، سواء كان ذا وضع أو غير ذى وضع ، لا يأبى ، من حيث هو كم متناهى المقدار ، أن يكون له تقرّر فى الأعيان لا يسبقه البطلان الصّرف ، والوجود لا يتقدّم عليه العدم الصّرف الّذي لا يصحّ أن يتصوّر فيه الاستمرار واللاّاستمرار ، بل يجوز فى النّظر إلى طباع الامتداد المتناهى الكميّة بما هو امتداد متناهى الكميّة ، مكانيّا كان أو زمانيّا ، مع عزل النّظر عن كلّ ما يخرج عن هذا اللّحاظ أن يكون موجودا فى وعاء الدّهر لا بعد عدم دهرىّ. فيحتمل فى بادى الأمر أن يكون لوجوده أزليّة غير زمانيّة إلى أن يبطل ذلك فى أنظار اخر غير هذا النّظر.
فالّذى يبطله تناهى مقدار الزّمان فى الماضى ليس إلاّ الأزليّة الزّمانيّة على ما ابتدعه معلّم المشّائيّة ومن اتّبعه ، لا دوام الحصول فى وعاء الدّهر. وكذلك تمادى مقدار الزّمان فى الماضى لا إلى بداية على أن يكون له كميّة غير متناهيّة المقدار فى جانب الأزل. وهو ما يذهبون إليه ليس ممّا ينافى الحدوث الدّهرىّ الّذي هو حصول الوجود فى وعاء الدّهر بعد صريح العدم الصّرف لا على امتداد أو لا امتداد لا يلزم من ذلك تسرمد الوجود ودوامه فى الواقع ، كما يظنّه من على سبيل أولئك الظّانّين المعتملين لإطفاء نور الحكمة ، بل إنّما يلزم من ذلك الدّوام الزّمانىّ على المعنى المشهور فى الفلسفة لا غير ، أى حصول أزمنة غير متناهية الكميّة فى الماضى ، لا إلى بداية بحيث يكون كلّ مقدار قد فرض فى الماضى ، فقد حصل مقدار آخر قبله.
وهذا المعنى وراء السّرمديّة والدّوام فى وعاء الدّهر. كما أنّ اللاّنهاية فى