الأبعاد المكانيّة إنّما يستلزم تمادى الامتداد المكانىّ لا إلى نهاية لا استمرار الأزليّة الزّمانيّة بحسب الحصول فى زمان غير متناهى المقدار فى البداية ولا سرمديّة الوجود بحسب دوام الحصول فى وعاء الدّهر ، لا بعد العدم أصلا.
فإذ قد أثبتنا تناهي مقدار الزّمان فى جهة البداية ، فقد أبطلنا الأزليّة الزّمانيّة على المعنى الفلسفىّ المشهورىّ. فتحقق : أنّ الأزل الزّمانىّ إنّما هو مقدار من الزّمان فى جانب البداية لا يسبقه زمان أو شيء آخر غير الزّمان سبقا زمانيّا. والأزليّة الزّمانيّة معناها الوجود فى جملة ذلك الزّمان ، لا فى أزمنة غير متناهية الكميّة.
وأمّا إبطال سرمديّة الزّمان والحركة وإحالة الدّوام لوجود الجائزات فى وعاء الدّهر الّذي هو الدّوام السّرمديّ والسّرمديّة الدّهريّة فصراط مستقيم سنسوقك إلى سبيل إليه فحصىّ حكمىّ بسلوك قدسىّ وسياحة روعيّة ، ليتبيّن لك منهج الحقّ وليستبين سبيل الظّالمين.
<٣٧> إيماض تنبيهيّ
لا ينبغى لك أن تغفل عمّا أومأنا إليه ، من قبل ، أنّ تناهى مقدار الزّمان فى جهة الأزل ليس بحيث يستوجب وجود الآن بالفعل ؛ لأنّ وراء الزّمان ليس إلاّ صريح العدم الصّرد الباتّ الّذي لا يصحّ أن يقال ؛ إنّه عدم ممتدّ أو عدم غير ممتدّ ، وهو اللاّخلاء واللاّملاء الزّمانىّ الّذي هو بإزاء العدم الخالص ، الّذي هو وراء الفلك الأقصى ، وهو اللاّخلاء واللاّملاء المكانىّ. وليس انتهاء الزّمان إلى ذلك العدم بطرفه فقط ، بل هو بنفس هويّته الامتداديّة وبكلّ جزء من أجزائه وآن من آناته مسبوق بذلك العدم ومنته إليه.
فليس للعقل أن يوقع بمعونة الوهم اتّصالا بينه وبين ذلك العدم ويتصوّر امتدادا ينطبق بعضه على الزّمان ويقع بعضه فى ذلك العدم ، فيحكم أنّه قد وقع انبتات فى شيء من أوساط ما يتوهّم من الامتداد ، وأنّه يتصوّر أن ينبسط الزّمان فى جهة امتداده ، فينطبق على ذلك العدم ؛ فإنّ تصوّر ذلك لم يكن إلاّ من اختلاف الوهم. فلا جرم ليس للزّمان طرف ينتهى به امتداده فى جهة البداية ، يقال له الآن. وسبيله