موجودة فى نفسها وإن كان تحقّقها فى نفسها بوجودها فى الذّهن.
أليست النّسبة مهما وجدت فى الذّهن كان لها وجود ذهنىّ ، سواء كان ذلك باختراع من العقل وتعمّل أوجبه سوء استعداد النّفس والانغماس فى أدناس الطبيعة ، أو بتحقّقها فى نفسها ، لا باختراع. وعلى الأوّل لا يكون وجود إلاّ باعتبار خصوص اللّحاظ التعمّلىّ ، وعلى الثّاني كان تحقّق لا من جهة التعمّل ومع عزل النّظر عن خصوصيّة اللّحاظ ، وهذا هو الوجود فى نفس الأمر والملحوظ مطلق تحقّق الشّيء فى نفسه ، لا فى طرف بخصوصه.
وإن كان مقتض خارج عن هذا النّظر أوجب أن يكون ذلك التّحقّق بالوجود فى الذّهن وفى خصوص هذا اللّحاظ. والوجود الذّهنىّ يصدق عليه الوجود فى نفس الأمر وإن لم يكن مناطه الخصوصيّة. وكذلك القول فى الوجود العينىّ ، والخصوصيّات ملغاة على الإطلاق.
فإذن ، قد تعرّفت ما يقولون : إنّ المعتبر فى صحّة الحكم مطلقا هو المطابقة لما فى نفس الأمر ، لا لما فى الذّهن من حيث إنّه فى الذّهن ، وإلاّ لزم صدق الكواذب. ومن استعمل الخارج فى مطابق النّسبة فلم يرم إلاّ الخارج عن النّحو الفرضىّ من الذّهن وعن خصوصيّة النّحو التّحقيقىّ أيضا من الذّهن وخصوص اللّحاظ الذّهنىّ وإن لم يكن تعمّليّا اختراعيّا. وهذه الدّقيقة يغفل عنها المتفلسفون.
وكأنّك قد استشعرت أيضا أنّ نسب العقود متحققة بأسرها فى القوى المفارقة والأذهان العالية. وشأنها بالنّسبة إلى الكواذب مجرّد الحفظ والارتسام فيها على سبيل الاختزان ، وبالنّسبة إلى الصّوادق الحفظ والتّصديق جميعا. وذلك لبراءتها عن الشّرور والضّلالات الّتي هى من غوايات الوهم وظلامات الهيولى.
فلا جناح عليك عند العقل لو اتّخذت النّسبة العقديّة من حيث ترتسم فى الأنوار المفارقة بالإدراك التّصديقىّ مطابق الحكم للنّسبة العقديّة من حيث هى فى ذهن ما سافل. والواقع الّذي به يقاس الصّدق والكذب. وأيّا ما كان فالصّدق حال النّسبة العقديّة بالقياس إلى الواقع بالمطابقة ، وباعتبار نسبتها إلى الأمر نفسه على أن يكون