اعتبر الابتداء من الجنس الأعلى. والحيوان أقدم من الجسم إن اعتبر ذلك من النّوع الأسفل. والسّابق بالرّتبة ليس بحسب ذاته أن يكون سابقا ، بل إنّما بحسب النّسبة المذكورة. ولذلك قد ينقلب الأسبق ، فيصير الأشدّ تخلفا.
وإذ التّرتيب فى الأشياء قد يكون طبعا ، كما فى العلل والمعلولات المترتّبة ، سواء اعتبرت على التّنازل من العلّة أو على التّصاعد من المعلول ، وقد يكون وضعا ، كما فى الصّفوف فى المكان منسوبة إلى مبدأ الوضع.
فالسّابق بالمرتبة قد يكون فى امور عقليّة وقد يكون فى امور عقليّة وقد يكون فى امور وضعيّة. ثمّ قد يكون بالطبع ، كما فى الأجناس والأنواع المتنالية ، وقد يكون بالاتفاق ، كالّذي يقع متقدّما فى الصّف الأوّل ، فيكون أقرب إلى المحراب ، وقد يكون بالأحرى ، كما فى تقديم إيساغوجى وقاطيغورياس على باريرميناس فى الميزان.
فإذن ، المتقدّم بالمكان قد يكون سبقه الرّتبىّ فى الوضع بالاتفاق ، كالصّف الأوّل ، من صفوف المجلس ، وقد يكون فى الوضع بالطبع ، كالنّار المستقرّة فى حيّزها بالقياس إلى الهواء. وكذلك سائر الأجرام البسيطة ، كفلك زحل ، المتقدّم على فلك المشترى ، إن جعل المحدّد مبدءا. والعكس إن جعل فلك القمر مبدءا. وكذلك المتقدم الرّتبىّ فى العقليّات ؛ وقد يقع السّابق بالمرتبة فى العلوم البرهانيّة. فالمقدّمات قبل الأقيسة والنّتائج. وكذلك الحروف قبل الهجاء ، والصّدر فى الخطبة قبل الاقتصاص.
وإن أشكل عليك الأمر فظننت أنّ المقدّمات قبل القياس ليس فى المرتبة ، بل بالطبع ؛ فإنّه إن كان القياس كانت المقدّمات وليس إن كانت المقدّمات كان القياس. وكذلك فى الحروف والهجاء.
قيل لك : ألم نسمعك أنّه قد تحشد تقدّمات مختلفة فى متقدّم بعينه من حيثيّات شتّى ، فليس يمتنع أن يكون القبل بالطبع قبلا فى المرتبة من وجه آخر ، كما أنّ القبل بالعليّة قبل البعد بالمعلوليّة بالرّتبة الطّبيعيّة إذا وقع الابتداء من العلّة ، [فيكون فيه (١٧٨) نحوان من القبليّة بالقياس إليه وبعديّة