فهم من سخافة عقلهم يخرجون ما هو سبق زمانىّ بالذّات عن السّبق بالزّمان ويقصرون السّبق بالزّمان على ما هو سبق زمانىّ بالعرض. وكأنّ الغريزة إذا ارتضعت لبن العلم من ثدى التّحصيل لم تكن من المرتابين فى فساد هذا التّهويش. وإذ نحن قد برهنّا على تحقق السّبق السّرمديّ بالدّهر على أنّه مباين الحقيقة ومخالف الأحكام للسّبق بالزّمان والسّبق الذّاتىّ بالماهيّة على أنّه وراء السّبق بالطبع والسّبق بالعليّة بالمعنى وبالخواصّ واللّوازم. فقد انصرح تسبيع الأنواع وفسخ ضوابطهم المحفوفة بالجبّ والتخريق.
<٢> تفصيل وفيصل
ممّا يضيّق المخرج على المتفلسفين المخّمنين لأنواع السّبق ، بناء على ضوابطهم المحفوفة بالفسح : أنّهم قد سدّسوا أنواع المعيّة بالمعيّة الدّهريّة ، ولم يسعهم أن يستنكروها ، ضرورة المفارقات المحضة ، لتعاليها عن المادّة وعوارضها متعالية عن الحركة والسّكون والزّمان والمكان ومتقدّسة عن الإضافات الزّمانيّة والمكانيّة والنّسب الكونيّة والمكانيّة ؛ فيمتنع أن يكون فى عالم الأنوار العقليّة معيّة بالزّمان.
فمعيّة البارى ـ عزّ مجده ـ بالنّسبة إلى مجعولاته المفارقة فى الوجود أو بالنّسبة إلى معلولاته الكيانيّة الزّمانيّة ؛ وكذلك معيّة بعض مجعولاته المفارقة العقليّة بالنّسبة إلى بعض آخر أو بالنّسبة إلى الكيانيّات والزّمانيّات ، وبالجملة ، معيّة الثّابت والثّابت ، أو معيّة الثّابت والمتغيّر فى الوجود فى الواقع ، أى فى وعاء الدّهر ـ ليست معيّة زمانيّة ، بل هى معيّة بالدّهر ، وهى خارجة عن المعيّات الّتي هى بإزاء أقسام السّبق الخمسة ، وهم لم يكونوا فى غفول عن هذه المعيّة وعدّها نوعا سادسا وتسميتها معيّة بالدّهر.
فإذن ، قد لزمهم لزوما باتّا أن يسدّسوا أنواع التّقدّم والتّأخّر أيضا ؛ فإنّ المع يجرى مجرى المتقدّم والمتأخّر فى معانيهما المختلفة. أليس إثبات كلّ من التّقدّم والتّأخّر والمعيّة لشيء فى قوّة نفى الآخرين عنه ، فتكون المعانى المتصوّرة من كلّ منها بإزاء المعانى المتصوّرة من الآخرين بتّة.