ومن المستغربات أنّهم يزعمون أنّ كون أقسام المعيّة بحسب أقسام التقدّم والتأخّر من البتّيات الفطريّة. ثمّ إنّهم يخمّسون أقسام السّبق والمسبوقيّة ويسدّسون أقسام المعيّة (١٧٩). فإذن ، لا منتدح ولا محيص لهم من إثبات نوع آخر للسّبق وراء الخمسة بإزاء المعيّة الدّهريّة : هو السّبق بالدّهر والسّرمد.
وهذا التّعضيل عليهم قد تصدّيت له منذ سنين ، حيث أحطت بكتبهم الحصيفة البيان الوثيقة البرهان ، كالشفاء والنجاة والتعليقات وغيرها ، من الصّحف الفلسفيّة ، ثمّ ثقفت مثير فتنة التشكيك قد تعرّض له فى المباحث المشرقيّة ولم يتعرّف لهم منه مخرجا. والفيصل الحقّ هناك أنّهم لم يكونوا فى ذهول عن السّبق بالدّهر والسّرمد الّذي هو بإزاء المعيّة الدّهريّة ، على أنّه نوع مباين للأنواع الخمسة.
أليس من الفطريّات الأوائل ، بعد العلم بوجود القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ أنّه كان اللّه ولم يكن معه هذا الحادث اليوميّ ، مثلا ، موجودا فى وعاء الدّهر ؛ ثمّ الحادث قد وجد فيه. ومن كان ذا تحصيل ما لا يرتاب فى أنّ ربّ الزّمان والمكان لا يكون تقدّمه على شيء لكون حصوله فى زمان متقدّم على زمان حصول ذلك الشيء.
ومن البيّن أنّ الفلاسفة المحصّلين ، مع شدّة تعمّقاتهم وتوغّلاتهم فى تقديس المبدأ وتنزيهه عن شوب التّعلّق بافق الزّمان والمكان ، ليس ممّن يخفى عليه ذلك ؛ كيف وتنصيصاتهم عليه فى صحفهم الفلسفيّة أكثر من أن تعدّ وفوق أن تحصى فى هذا الكتاب.
فإذن ، من المستبين المنصرح أنّ سبقه ـ تعالى ذكره ـ على الحادث الزّمانىّ وعلى كلّ جزء من أجزاء الزّمان عندهم سبق بالدّهر والسّرمد ، لا سبق بالزّمان. لكنّهم حين حاولوا الفحص عن أقسام السّبق فى مباحث التقدّم والتأخّر أخذوا السّبق الزّمانىّ على وجه يشتمل النّوعين إلى السّبق بالزّمان والسّبق بالدّهر والسّرمد ، حيث قالوا : السّبق الزّمانىّ هو ما يجب أن يتخلّف المسبوق عن السّابق فى الوجود البتّة ؛ ولم يقيّدوا ذلك : بأن يصحّ للعقل أن يتوهّم تخلّلا ممتدّا بالذّات أولا ممتدّا بالذّات بينهما ، لصحّة مرور ممتدّ بالذّات ولو وهمىّ بهما فى التّصوّر ؛