ينتزع منه بحسب وجوده فى الأعيان لو أمكن أن يكون هناك متميّزا منفرزا ذلك ، لكنّه مخلوط غير متميّز بحسب الأعيان. فلذلك لا ينتزع منه ذلك بحسب الاعيان ، ويجب أن يكون العقد ذهنيّا ، ومطابق الحكم فيه تقرّر الموضوع ، ونحو وجوده فى الذّهن مفروزا غير مخلوط بحسبه. وذلك مثل الجزئيّة والذّاتيّة والعرضيّة والطبيعيّة وما ضاهاها.
وحيث إنّ مسلك الفرق بين القبيلتين غامض يغلط فيه ويعقد زيد جزئىّ فى الخارج مثلا خارجيّة ، ولم يتفطن أنّ الموجود فى الخارج أو فى الذّهن بحسب الخارج شيء واحد يصلح لأن يحلّله العقل فى اللّحاظ التّحليلىّ إلى ما هو جزئىّ وإلى طبيعة تعرضها الكلّية فى لحاظ العقل ، وإنّما الجزئيّة من أحوال الشّيء بما هو متميّز غير مخلوط. فما فى الأعيان لا يصحّ أن يحكى عنه أنّه جزئىّ أو طبيعة ، بل إنّه شيء واحد مخلوط يصحّ أن ينحلّ إلى الأمرين جميعا.
وإنّ من الصّفات ما له وجود فى العين والذّهن ، كالبياض ؛ ومنها ما ليس لها وجود إلاّ فى الذّهن. ووجودها العينىّ هو أنّها فى الذّهن ، كالنّوعيّة المحمولة على الإنسان ، والجزئيّة المحمولة على زيد.
وكما أنّه ليس معنى قولنا «زيد جزئيّ فى الأعيان» أنّ الجزئيّة لها صورة فى الأعيان قائمة بزيد ، فكذلك ليس معناه : أنّ الموجود فى الأعيان بما هو فى الأعيان جزئيّ فى لحاظ العقل. وإنّما الصّحيح أن يعنى به أنّ ما فى الأعيان بما هو فى الأعيان يصحّ أن يفصّله الذّهن إلى ما فى ظرف الخلط والعرى جزئىّ وإلى ما فيه طبيعة.
فقد أوضحنا لك : أنّ المعقولات الثّانية هى ما مطابق الحكم بها هو نحو وجود المعقولات الأولى فى الذّهن ، لا على أن يعتبر قيدا فى المحكوم عليه.
وهذا ما يرومه الرّائم بقوله : المعقولات الثّانية مستندة إلى المعقولات الأولى وثابتة لها بحسب نحو وجودها فى الذّهن. وإنّما يعنى بإثبات نحو وجود الشّيء ريثما يستعمل أنّ أىّ وجود يخصّه. وهى التى تجعل موضوع حكمة