لها فى حدّ حقائقها من حيث هى هى فاقة الذّات وبطلان الحقيقة ، لأنّها حقائق متجوهرة متأيّسة بالفعل وإن كان لها حين ما هى بالفعل أنّ العدم البسيط المستوعب قد سبقها السّبق السّرمديّ ، وأنّ فى حقائقها معنى ما بالقوّة من حيث سنخ الذّات ، لا من جهة فضل الجاعل ورحمته.
وحيث إنّه ليس يصحّ أن يكون لها معنى ما بالقوّة ؛ إذ كلّ ما فى طباعها إمكان أن تتجمّل به ذواتها فقد تزيّنت حقائقها به بالفعل ولا يتصوّر هناك كمال وبهاء منتظر يؤجّل بأمد ويرهن باستعداد.
والشّرّية لا تعترى الشّيء إلاّ أن يكون هو ممّا يقع تحت معنى ما بالقوّة ويكون له معنى ما بالقوّة جميعا. وليس كذلك إلاّ أهل عالم الظّلمات ، وهو عالم الملك.
فيكون الشّرور يختصّ الاحتفاف بها بالمحبوسين فى كورة الزّمان والمسجونين فى سجن الهيولى ويتضاعف بتكثّر جهات القوّة إلى حيث تشاب حيثيّة فعليّة الشّيء بما هى فعليّة ذلك الشّيء بتضمّنها لحيثيّة القوّة ولا يكون حظّة من الأيسيّة إلاّ الوجود على وصف الوحدة المبهمة والاستعداد المطلق ، وينحصر ذلك فى حقيقة الهيولى ؛ فهى أكثر الموجودات وأشدّها شرّيّة وأقلّها وأضعفها خيريّة.
وإذ دريت : أنّ حيثيّة الخيريّة على الإطلاق من جنبة جود القيّوم الواجب بالذّات وظلّ خيريّته الحقّة ووموض حقيّته المحضة. فتنضّج المسألة أن يقال : الخير إمّا حقيقىّ وإمّا إضافىّ. والخير الحقيقىّ واحد لا يتكثّر ، وهو الأحد الّذي هو وجود وتقرّر بذاته وتامّ وفوق التّمام بنفسه ؛ والخير الإضافىّ ما عداه ومنه خيريّته ويترتّب كالموجودات. فكلّ ما خيريّته أكثر فهو خير ممّا فيه الخيريّة أقلّ ، وخير الخيرات الإضافيّة فى سلسلة البدء أقرب مجعولات الخير الحقيقىّ إليه.
فكما أنّ ما ذاته وأكثر كمالاته بالفعل فهو أحقّ بالوجود ممّا ذلك له بالقوّة ، وكلّ ما فيه ما بالقوّة أقلّ فهو أولى بالوجود ممّا فيه ما بالقوّة أكثر. وعلى هذا التّدرّج إلى أن تنتهى مراتب الوجود فى جانب النّقصان إلى ما لا يكون له حصّة فى الوجود إلاّ الوجود نفسه ويكون من جميع الجهات بالقوّة إلاّ من جهة نفس سنخ التقرّر