وأصل الوجود ، وهو الهيولى.
ثمّ يترتب ما يكون وجوده وكمالاته بالقوّة ، فيكون ما كذلك بقوّة أقرب إلى الفعل أولى بالوجود ممّا كذلك بقوّة أبعد ، وينتهى التّدرّج فى هذا الجانب أيضا إلى ما يمتنع وجوده بذاته ، ولا يكون له ماهيّة تصوّريّة. وإنّما يختلق الذّهن أنّ بعض متصوّراته ماهيّة لذلك العادم أصل جوهر الماهيّة والفاقد رأس مطلق الأيسيّة.
فكذلك ، إنّ الخيرات أيضا تترتّب إلى أن تنتهى فى جانب النّقصان إلى ما يتعرّى عن الخيريّة بالفعل ، ونصيبه من الخيريّة فعليّة قوّة الخيريّة.
وبعد ذلك تترتّب الشّرور : فما فيه شرّ أقلّ خير ممّا فيه شرّ أكثر إلى أن ينتهى إلى ما هو شرّ من جميع الجهات لذاته ، ولا خيريّة فيه لا بالفعل ولا بالقوّة ، وهو الممتنع ، ولا تقرّر له : حتّى فى التّوهّم ، بل إنّما يفرض العقل أن مفهوما ما بإزائه على التّقدير.
وهذه الإحقاقات الفحصيّة ما زاغت عنها أبصار عقول الفلاسفة المتهوّسين بإثبات القدم للمعلولات بالغفول عنها رأسا وإن كانوا لم يقفوا على خفايا الدّقائق ولم ينالوا خبايا الأسرار على حقوقها إلاّ شوب الشّرّيّة بحسب الحدوث الدّهرىّ (٣٢) ؛ فإنّ ذلك ممّا آتانيه ربّى من الحكمة وخلقنى لأن احاول إيفاء حقّه من إعمال القريحة وإعطاء نصيبه من الأنظار الصّحيحة. وإنّهم عنه لفى ذهول عريض وضلال بعيد وزيفة صرفة وغفلة ساذجة.
ثمّ إنّ أصل دخول الشّرور فى عالم التّقرّر ونظام الوجود بالعرض أكرم لدى العقل من أن تقنع النّفس بهذا القسط من القول فيه ، ولكنّه سيعاد حيث يحين حينه فى بعض المسافات الرّبوبيّات والمقالات الإلهيّات إن شاء اللّه ـ تعالى ـ الحكيم العليم ، وفيّ السّابقات العاليات وولىّ الباقيات الصّالحات.
<٥> إيقاظ وتوهين
أليس فى طباع الضّدّين من حيث هما ضدّان أن يأبيا الاجتماع فى الموضوع