لا الورود على التّعاقب ، أى أن يعقّب أحدهما الآخر بالورود على الموضوع أو يستعقبه. فطبيعة الضّديّة تقتضى أن يكون كلّ من المتضادّين فى نفسه بحيث يكون لحاظ مفهومه بما هو هو لا يستوجب أن يكون انسلابه عن الموضوع مساوقا لانتفاء الموضوع فى نفسه. فما فى طباع مفهومه أن يكون انسلابه عن موضوعه بارتفاع ذلك الموضوع فى نفسه ، كالإنسانيّة والفرسيّة ، مثلا ، لا يتصوّر أن يكون له ضدّ أصلا.
وكأنّك غير ناس أنّ الوجود هو موجوديّة الشّيء ولا ينسلب عن الشّيء إلاّ بأن يبطل الشّيء فى سنخ حقيقته ، أعنى : أنّ ذلك بحسب نفس طباع مفهوم الوجود.
فإذن ، ما أظهر لك أن ليس الوجود يتصوّر له ضد ، وإذ لا طبيعة أعمّ من الوجود يندرج هو تحتها ويشاركه غيره فيها وفى لوازمها ، فلا يتصوّر لطبيعة الوجود مثل أيضا.
وحيث إنّها طبيعة مصدريّة غير متخصّصة إلاّ بالإضافة وليس لها أفراد ، بل إنّما حصص متقوّمة بنفس الإضافة إلى موضوعات متكثّرة ، كما استبان لك فى ما قد سلف ؛ فلا يصحّ أن يتصوّر وجودان متماثلان بما هما فردا طبيعة الوجود ، بل إنّما حصّتان منتزعتان من شيئين هما متماثلان فى هويّتهما فقط ، كما لها حصّتان منتزعتان من شيئين هما متضادّان فى نفسهما.
فإذن ، لا وجودات متماثلة أو متضادّة بما هى وجودات مع عزل النّظر عن المتماثلات أو المتضادّات المنتزعة هى منها. كما أنّه لا مماثل أو مضادّ لطبيعة الوجود. فإذن مقابلة الوجود للعدم ليست على التّضادّ ، بل على أنّها تقابل السّلب والإيجاب.
وأمّا التّمسّك : ـ بأنّ اشتراك طبيعة الوجود على العموم يوجب عروضها لمعروض ما يفرض ضدّا أو مثلا لها ، فيلزم اجتماع الضّدّين أو المثلين بالفعل أو بالإمكان ، وعروض الضّدّ للضدّ أو المثل للمثل كذلك ـ فيوهنه منع عروضها لجميع المعقولات من جميع الحيثيّات ، فإنّها لا تعرض المعدوم بما هو معدوم.