<١٢> استيناف إحصائيّ
العدم المقيّد بشيء ما يكون معقولا بسبب ذلك الشّيء (٣٧) ويصحّ لحوق الاعتبارات العقليّة به من حيث هو معقول. فالأمر العدمىّ ليس عدما محضا ، بل هو عدم مقيّد بوجود شيء ، وهو من حيث هو كذلك أمر ثابت فى العقل ، فيصحّ أن يكون علّة لما هو مثله ، كما يقال : عدم العلّة علّة العدم ، ويصحّ أن يكون شرطا لوجود معلوم ثابت على الإطلاق ويصير جزءا من المفهوم عن علّته التّامّة إذا كان ذلك المفهوم مركّبا فى العقل.
والّذي أعنى بذلك هو أنّ عدم العلّة إذا صار معقولا صحّ الحكم عليه بأنّه فى نفسه علّة لعدم المعلول ، لا من جهة أنّه متمثّل فى الذّهن وحاضر عند العقل ، فإنّ وجوده فى الذّهن وحضوره عند العقل مصحّح أن يصير محكوما عليه ، لا مطابق الحكم عليه بالعلّيّة ، إذ مطابق الحكم والمحكىّ عنه بالعلة هو رفع العلّة بما هو رفع العلّة ، وأنّه ، وإن كان لم يصحّ الحكاية عنه إلاّ حين ما هو معقول ، لكن ليس إنّه يحكى عنه بالعلّيّة من حيث هو معقول. وأمّا عدم المعلول حين ما هو معقول فإنّما يصحّ أن يحكم عليه بأنّه علّة لعدم العلّة من حيث التّمثّل فى الذّهن والحضور عند العقل ، لا بما هما رفع المعلول ورفع العلّة ، أليس أنّ رفع العلّة يوجب رفع المعلول ، فيكون رفع العلّة يوجب به رفع المعلول.
وإذا رفع المعلول لا يجب به رفع العلّة ، بل يكون قد ارتفعت حتّى ارتفع المعلول. فرفع العلّة وإثباتها سبب رفع المعلول وإثباته ، ورفع المعلول وإثباته دليل رفع العلّة وإثباتها. فالمعلول وجوده مع العلّة وبالعلّة ، والعلّة وجودها مع المعلول ولكن ليس بالمعلول.
وقولنا : «عدم فعدم» قد يقصد منه أنّ حضور كلّ منهما عند العقل يوجب حضور الآخر عنده. وهو بهذا المعنى صادق ، سواء كان الملزوم هو عدم المعلول واللاّزم عدم علّته ، أو عكسه.