فإذن ، لعدم العلّة حين ما هو معقول اعتباران : (١) اعتباره فى نفسه بلا شرط ، أى مع عزل النظر عن كونه حاضرا عند العقل أو غير حاضر عنده ، (٢) واعتبار كونه حاضرا عند العقل ، كما هما ، لعدم المعلول أيضا حين هو معقول ، وليس لعدم المعلوم علّية لعدم العلّة إلاّ بالاعتبار الثّاني ، فعلّيّة عدم العلّة لعدم المعلول ليس إلاّ بالاعتبار الأوّل فقط.
ولا تحسبنّ ذلك مظنّة للدّور ، فسنلقى عليك إن شاء اللّه تعالى : أنّ معلول الشّيء بالذّات قد يكون علّة لبعض عوارض ذلك الشّيء واعتباراته ، كما حصول الحرارة للنّار معلول طبيعة النّار وعلّة حصولها فوق. وكما الحركة علّة الزّمان ثمّ الزّمان يفيد كون الحركة ذات مقدار متناه أو غير متناه ؛ وكما العلّة تفيد ذات المعلول ، ثمّ المعلول يفيد اتّصاف ذات العلّة بوصف العليّة المضايفة للمعلوليّة فضلا عن المعلول بالعرض ، أعنى عدم المعلول من حيث هو حاضر عند العقل ، إذ ليس هو المعلول بالذّات بما له تلك الحيثيّة ، بل المعلول بالذّات لعدم العلّة هو عدم المعلول بما هو عدم المعلول.
<١٣> وهم وتنبيه
فإن اعتراك أن تشكّك ، فتقول : إنّ عدم العلّة غير متميّز عن عدم المعلول بحسب الخارج ، بل بحسب لحاظ العقل فقط ؛ وعليّة شيء لشيء بحسب ظرف ما يستلزم تباينهما بالتّميّز وعدم المخلوطيّة بحسب ذلك الظرف.
فإذن ، لا يصحّ الحكم بالعلّيّة بين عدم العلّة وعدم المعلول إلاّ بحسب خصوص الثّبوت فى لحاظ العقل من الطرفين ، فلا يكون هناك فرق استونف ردعك بالتّنبيه على أنّ عدم التّمايز بحسب الخارج إنّما هو لليسيّة الذوات وفقد الملكات وبطلان شيئيّة العدمات. وما تأباه العلّيّة بحسب طرف ما إنّما هو خلط الذّوات بالاتّحاد فى ذلك الطرف ، لا عدم التمايز ، لبطلان الذّات وليسيّة الشّيئيّة.
فعدم العلّة علّة بحسب نفس الأمر ، لكنّه لمّا لم يكن يتحقق هو ولا ملكته إلاّ فى الذّهن كان اتّصافه بالعلّيّة من هذه الجهة فى الثّبوت الذّهنىّ ، لا بالثّبوت الذّهنىّ ولا بحسب الثّبوت الذّهنىّ ، بخلاف عدم المعلول ؛ فإنّه علّة بالثّبوت الذّهنىّ وبحسب