الحضور التّعقلىّ ؛ أى : إنّ منشأ علّية عدم المعلول والمحكىّ عنه بها هو خصوص وجوده الذّهنىّ ، لا نفسه بما هو رفع المعلول (٣٨) ، فليس عدم حركة المفتاح علّة لبطلان حركة اليد. بل لا يصحّ أن تبدّل حركة المفتاح ، وإلاّ وقد سبقه بطلان حركة اليد. وكذلك فى جميع العلل. فإذن رجع الأمر إلى كون العلم بعدم المعلول علّة للعلم بعدم العلّة ، لا لعدمها فى نفس الأمر.
وأمّا عدم العلّة فهو محكوم عليه بالعليّة فى حدّ نفسه. لكنّ الاتّصاف بها فى الوجود الذّهنىّ على الظرفيّة البحتة ، لا على أنّ لخصوص هذا الوجود مدخلا فى هذا الاتّصاف. ولذلك كان عدمها علّة لعدم المعلول فى نفس الأمر وبحسبها ، حتّى أنّه لو وجد العدمان فى الأعيان فرضا لاختصّ أيضا عدم العلّة بالعليّة وعدم المعلول بالمعلوليّة.
وربما حوول استيضاح ذلك بثبوت الماشى والمتكلّم فى الدّار إذا كان فيها إنسان ؛ إذ ثبوت المتكلّم فيها باعتبار خصوص الإنسان ، وثبوت الماشى باعتبار اشتمال الإنسان على الحيوان ، لا من جهة خصوصه ، حتّى لو كان بدله الفرس مثلا انثبت أيضا فيها الماشى دون المتكلّم. فإذن يكون الاستدلال بعدم العلّة على عدم المعلول لميّا وبالعكس إنيّا ، كما فى الوجودين. وطبيعة العلّة بما هى علّة تقتضى إسناد معلولها الشّخصىّ إليها فى حقيقته وشخصيّته جميعا ، بخلاف المعلول ؛ فإنّ طباعه بما هو معلول لا يستدعى إسناده إلى علّتها الشّخصيّة بشخصيّتها. ولا يأبى أن تكون العلّة بالحقيقة هى الطبيعة المشتركة بين تلك الهويّة الشّخصيّة وبين هويّة شخصيّة أخرى.
والمتفلسفة بل الغاغة من الفلاسفة المتشبّهة بالحكماء يظنّون فى إزاء هذا الحكم أنّ طباع المعلول لا يستدعى إلاّ علّة ما ، ويعنون تسويغ كون العلّة متعددة على التّبادل ، لا وحدة العلّة بالطبيعة النّوعيّة وإن لم تكن واحدة بالوحدة الشّخصيّة ، وليترقّب الفحص البالغ فى مستقبل القول إن شاء اللّه تعالى. وكذلك عدم المعلول بطباعه يستدعى رفع ما استدعاه طباع المعلول من حيث طبيعة المعلوليّة.