اعتصام منهم باستيفاء المفحوص عنه ، لشدّة الظهور عن ذلك كلّه.
ومن اعترض عليهم من سفهاء المتأخّرين كان كأنّه لم ينل الوجهة ولم يجد السّبيل ، لكونه ضيّق العقل فى فطرة الوجود غير مستأهل السّرّ أن يكون من مواضع العلم ومدارك الحكمة ؛ فلنذكر وجوه تلك الإيضاحات.
<وجوه الإيضاحات >
(١) فمنها : أن لو اعيد معدوم بعينه فرضنا بدله مثله فى هويّته وفى جميع ماله من قبل ذاته ومن قبل غيره من الأوصاف والعوارض ، سوى ما يوضع أنّه مبتدأ وذاك معاد. فيكون هذان المتشابهان من جميع الجهات على نسبة واحدة بالقياس إلى تلك الهويّة المتقدّمة، وإلاّ لم يكن التّضاهى من كلّ جهة ، بل كانت الجهة الّتي بها استحقّ أحدهما الاختصاص بها دون الآخر بعينها هى جهة التّخالف المفروض الانتفاء ، فلم يكن أحدهما أحرى بأن يكون هو بعينه تلك الهويّة الّتي كانت حتى يكون معادا والآخر بأنّه ليس هو تلك حتّى يكون مستأنفا. فإذن كان المعاد مستأنفا ، والمستأنف بما هو مستأنف معادا ، والعلّة الموجبة وقوع المعاد هى الموجبة وقوع المستأنف.
وبالجملة ، بعد ما يؤمن بأنّ العدم هو فقد الذّات وبطلانها وليس للمعدوم ذات متقرّرة كما يختلقه قوم ليسوا هم من فرق المتميّزين ، ويعقل أن لا تميّز فى العدم ولا تتمايز العدمات بما هى عدمات ، ولا تتناولها الإشارة العقليّة من تلك الجهة كما يظنّ قوم آخرون ؛ يتبيّن أنّه لا يكون موضوع الوجودين والعدم شيئا واحدا ، لعدم انحفاظ وحدة الذّات فى العدم ، بل ليس إلاّ تكثّر بالاثنينيّة الصّرفة.
فامتياز المعاد عن المستأنف المفروض واقعا بدله ، واختصاصه بأنّه معاد إن كان من جهة الذّات حال العدم فالمعدوم لا ذات له وإن كان لأنّه كان موجودا أوّلا دون المستأنف. فهذا عين النّسبة الّتي يقع النظر فى إمكانها.