(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).
والجانب الخلقي في الشريعة الإسلامية ، هو الجانب الايجابي منها ، وهو غاية أحكامها ، ومرمى تعاليمها ، التي تدور حول تهذيب النفوس ، وتقويمها ، وتوجيه الناس بها إلى مقاصد الخير ، ومسالك النفع.
بهذا كانت دعوة الرسول الكريم (ص) ، وكانت أوامر الشريعة ونواهيها ، وهذا ما يتحقق به قوله تعالى في نبيه الكريم (ص) : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) .. فإنه لا شك أن أهم مظاهر الرحمة الالهية ، وأبرز آثارها في الانسان ، هو أن يحمد خلقه ، وتحسن سيرته ، ويستقيم مع الناس على طريق الحق والعدل ، والاحسان خطوة ، وهذا بعض ما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.)
والمحسنون حقا هم الذين فتح الله قلوبهم للخير ، وسلك بهم مسالك الهدى ، فحسن قولهم ، وصلح عملهم ، وطاب في الناس ذكرهم.
تلك هي غاية الرسالة الاسلامية ، خلق الانسان الصالح ، في المجتمع الصالح ، ولن يكون الانسان صالحا إلّا إذا توازنت قواه المادية والمعنوية جميعا ، وتلاقى
مع بعض على دواعي الخير ، وغايات الإحسان. ولن يكون الإنسان إنسانا صالحا ، إلّا إذا كانت له شخصيته ومكنته وآثاره المحمودة في المجتمع الذي يعيش فيه ، وذلك لا يتحقق إلّا بخلق كريم ، وسيرة محمودة ، وعمل نافع ، وآثار بارزة في ماديات الحياة ومعنوياتها جميعا ..
والعادات ، والمعاملات ، والآداب والأخلاق ، التي رسمتها الشريعة الاسلامية ، إنما غايتها تخريج نماذج طيبة للانسانية ، في صورة المسلم الذي تظهر عليه آثار الاسلام ، فتكسوه رواء يبهر العيون جمالا ، ويملأ القلوب جلالا ، ويثير عواطف الحب والاكبار التي يجدها الانسان في نفسه حين يلتقي بمثل هذا النموذج الكريم من
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ١٢٨.