واعلم أن هذه السورة مكية بالإجماع ، وزكاة المال وصدقة الفطر وصلاة العيدين شرعت بالمدينة ، فلا وجه لتفسير الآيتين بهذه الأحكام (١).
قوله تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ) قرأ أبو عمرو وحده : " بل يؤثرون" بالياء ، على الغيبة ، حملا على قوله : (الْأَشْقَى) ، فإنه اسم جنس. وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب (٢).
واختلفوا هل ذلك خطاب للكفار أو هو على عمومه في الجميع ، فإنهم طبعوا على إيثار الدنيا والميل إليها ، إلا من عصم الله تعالى.
قال ابن مسعود : إن الدنيا أحضرت وعجّلت لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذّتها وبهجتها ، وإن الآخرة نعتت لنا وزويت عنّا ، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل (٣).
والمعنى : يؤثرونها فلا يفعلون ما يفلحون به.
(وَالْآخِرَةُ) يعني : الجنة (خَيْرٌ) من زهرة الحياة الدنيا ، (وَأَبْقى) أدوم من
__________________
(١) في هامش ب : أخرج البزار في مسنده (٨ / ٣١٣ ح ٣٣٨٣) من حديث كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي العيد ، ويتلو هذه الآية : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ...).
(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١١٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٥٩) ، والكشف (٢ / ٣٧٠) ، والنشر (٢ / ٤٠٠) ، والإتحاف (ص : ٤٣٧) ، والسبعة (ص : ٦٨٠).
(٣) أخرجه الطبري (٣٠ / ١٥٧) ، والطبراني في الكبير (٩ / ٢٣٤ ح ٩١٤٧) ، والبيهقي في الشعب (٧ / ٣٧٦ ح ١٠٦٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٨٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان.
وفي هامش ب : هذا منه على وجه هضم نفسه وعدم تزكيتها ، أو أخبر به عن الجنس من حيث هو.