فإن قيل : هذه الآثار وأقوال المفسرين متطابقة على أن العسر واحد واليسر اثنان ، وفي ظاهر التلاوة عسران ويسران؟
قلت : هو عسر واحد ؛ لأنه مذكور بلفظ التعريف.
قال الفراء (١) : العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادت بنكرة مثلها صارتا اثنتين ، كقولك : إذا اكتسبت درهما فأنفق درهما ، فالثاني غير الأول ، وإذا أعادتها معرفة فهي هي ، كقولك : إذا اكتسبت درهما فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول.
ونحو هذا قال الزجاج (٢) : ذكر العسر بالألف واللام ، ثم ثنّى ذكره ، فصار المعنى : إن مع العسر يسرين.
وقال صاحب النظم : معنى الكلام : لا يحزنك ما يعيّرك به المشركون من الفقر ، فإن مع العسر يسرا عاجلا في الدنيا ، فأنجزه ما وعده بما فتح عليه. ثم ابتدأ فصلا آخر فقال : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً). والدليل على ابتدائه ؛ تعرّيه من [الفاء و](٣) الواو ، وهو وعد لجميع المؤمنين ؛ لأنه يعني بذلك : إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة ، وربما اجتمع له اليسران ؛ يسر الدنيا ويسر الآخرة (٤).
قال : وقوله : " لن يغلب [عسر](٥) يسرين" أي : يسر الدنيا والآخرة.
قوله تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي : فاتعب. يقال : نصب ينصب نصبا ؛
__________________
(١) لم أقف عليه في معاني الفراء. وانظر قول الفراء في : زاد المسير (٩ / ١٦٤).
(٢) معاني الزجاج (٥ / ٣٤١).
(٣) زيادة من زاد المسير (٩ / ١٦٤).
(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٩ / ١٦٤).
(٥) في الأصل : عسرا. والتصويب من ب.