السنّي وطوّروا معناها ، فتراءى لعلمائنا الأخباريّين الذين لم يدركوا التحوّل الجوهري في مدلول المصطلح أنّ علم الاصول عند أصحابنا يتبنّى نفس الاتّجاهات العامة في الفكر العلمي السنّي ، ولهذا شجبوا الاجتهاد وعارضوا في جوازه المحقِّقين من أصحابنا.
٥ ـ وكان الدور الذي يلعبه العقل في علم الاصول مثيراً آخر للأخباريّين على هذا العلم نتيجةً لاتّجاههم المتطرّف ضدّ العقل ، كما رأينا في بحثٍ سابق (١).
٦ ـ ولعلّ أنجح الأساليب التي اتّخذها المحدِّث الأسترآبادي وأصحابه لإثارة الرأي العام الشيعي ضدّ علم الاصول هو استغلال حداثة علم الاصول لضربه ، فهو علم لم ينشأ في النطاق الإمامي إلّا بعد الغَيبة ، وهذا يعني أنّ أصحاب الأئمّة وفقهاء مدرستهم مضوا بدون علم اصول ، ولم يكونوا بحاجةٍ إليه. وما دام فقهاء تلامذة الأئمّة ـ من قبيل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومحمد بن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم ـ كانوا في غنىً عن علم الاصول في فقههم فلا ضرورة للتورّط في ما لم يتورّطوا فيه ، ولا معنى للقول بتوقّف الاستنباط والفقه على علم الاصول.
ويمكننا أن نعرف الخطأ في هذه الفكرة على ضوء ما تقدم سابقاً من أنّ الحاجة إلى علم الاصول حاجة تأريخية ، فإنّ عدم إحساس الرواة والفقهاء الذين عاشوا عصر النصوص بالحاجة إلى تأسيس علم الاصول لا يعني عدم احتياج الفكر الفقهي إلى علم الاصول في العصور المتأخّرة التي يصبح الفقيه فيها بعيداً عن جوِّ النصوص ويتّسع الفاصل الزمني بينه وبينها ؛ لأنّ هذا الابتعاد يخلق فجواتٍ
__________________
(١) سبق تحت عنوان : المعركة إلى صفّ العقل