الاصول ، حتّى تضاءل الاتّجاه الأخباري ومُنِي بالهزيمة ، وقد قامت هذه المدرسة إلى صفّ ذلك بتنمية الفكر العلمي والارتفاع بعلم الاصول الى مستوى أعلى ، حتّى أنّ بالإمكان القول بأنّ ظهور هذه المدرسة وجهودها المتضافرة التي بذلها البهبهاني وتلامذة مدرسته المحقّقون الكبار قد كان حدّاً فاصلاً بين عصرين من تأريخ الفكر العلمي في الفقه والاصول.
وقد يكون هذا الدور الإيجابي الذي قامت به هذه المدرسة فافتتحت بذلك عصراً جديداً في تأريخ العلم متأثّراً بعدّة عوامل :
منها : عامل ردّ الفعل الذي أوجدته الحركة الأخبارية ، وبخاصّةٍ حين جمعها مكان واحد ككربلاء بالحوزة الاصولية ، الأمر الذى يؤدّي بطبيعته إلى شدّة الاحتكاك وتضاعف ردّ الفعل.
ومنها : أنّ الحاجة إلى وضع موسوعاتٍ جديدةٍ في الحديث كانت قد اشبعت ، ولم يبقَ بعد وضع الوسائل والوافي والبحار إلّا أن يواصل العلم نشاطه الفكري مستفيداً من تلك الموسوعات في عمليات الاستنباط.
ومنها : أنّ الاتّجاه الفلسفي في التفكير الذي كان الخونساري قد وضع إحدى بذوره الأساسية زوَّد الفكر العلمي بطاقةٍ جديدةٍ للنموّ وفتح مجالاً جديداً للإبداع ، وكانت مدرسة البهبهاني هي الوارثة لهذا الاتّجاه.
ومنها : عامل المكان ، فإنّ مدرسة الاستاذ الوحيد البهبهاني نشأت على مقربةٍ من المركز الرئيسي للحوزة ـ وهو النجف ـ فكان قربها المكاني هذا من المركز سبباً لاستمرارها ومواصلة وجودها عبر طبقاتٍ متعاقبةٍ من الأساتذة والتلامذة ، الأمر الذي جعل بإمكانها أن تضاعف خبرتها باستمرارٍ وتضيف خبرةَ طبقةٍ من رجالاتها إلى خبرة الطبقة التي سبقتها ، حتّى استطاعت أن تقفز بالعلم قفزةً كبيرةً وتعطيه ملامح عصرٍ جديد. وبهذا كانت مدرسة البهبهاني تمتاز عن