ويستمرّ في استعراض مدى جرأة خصومه على اولئك الكبار ويحاسبهم على تلك الجرأة ، ثمّ يقول : «وشُبهتهم الاخرى هي : أنّ رواة هذه الأحاديث ما كانوا عالمين بقواعد المجتهدين (١) ، مع أنّ الحديث كان حجّةً لهم ، فنحن أيضاً مثلهم لا نحتاج إلى شرطٍ من شرائط الاجتهاد ، وحالنا بعينه حالهم ، ولا ينقطعون بأنّ الراوي كان يعلم أنّ ما سمعه كلام إمامه ، وكان يفهم من حيث إنّه من أهل اصطلاح زمان المعصوم عليهمالسلام ، ولم يكن مبتلى بشيءٍ من الاختلالات التي ستعرفها ، ولا محتاجاً إلى علاجها» (٢).
ولا يمكننا على مستوى هذه الحلقة أن نتوسّع في درس الدور المهمّ الذي قامت به هذه المدرسة استاذاً وتلامذةً وما حقّقته للعلم من تطويرٍ وتعميق.
وإنّما الشيء الذي يمكننا تقريره الآن مع تلخيص كل ما تقدّم عن تأريخ العلم هو : أنّ الفكر العلمي مرَّ بعصورٍ ثلاثة :
الأول : العصر التمهيدي ، وهو عصر وضع البذور الأساسية لعلم الاصول ، ويبدأ هذا العصر بابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وينتهي بظهور الشيخ.
الثاني : عصر العلم ، وهو العصر الذي اختمرت فيه تلك البذور ، وأثمرت وتحدّدت معالم الفكر الاصولي ، وانعكست على مجالات البحث الفقهي في نطاقٍ واسع ، ورائد هذا العصر هو الشيخ الطوسي ، ومن رجالاته الكبار : ابن إدريس ، والمحقّق الحلّي ، والعلّامة ، والشهيد الأوّل ، وغيرهم من النوابغ.
__________________
(١) يقصد بقواعد المجتهدين : علم الاصول. (المؤلّف قدسسره)
(٢) الفوائد الحائرية : ٨٨ ـ ٨٩