الذهن بطبيعته ، وإنّما ندرك بالتأمّل عن طريق البرهان والاستدلال.
ومن ناحية الدرجات ينقسم الإدراك العقلي إلى درجات :
فمنه : الإدراك الكامل القطعي ، وهو : أن ندرك بعقولنا حقيقةً من الحقائق إدراكاً لا نحتمل فيه الخطأ والاشتباه ، كإدراكنا أنّ زوايا المثلّث تساوي قائمتين ، وأنّ الضدّين لا يجتمعان ، وأنّ الأرض كرويّة ، وأنّ الماء يكتسب الحرارة من النار إذا وضع عليها.
ومن الإدراك العقلي ما يكون ناقصاً ، والإدراك الناقص هو : اتّجاه العقل نحو ترجيح شيءٍ دون الجزم به لاحتمال الخطأ ، كإدراكنا أنّ الجواد الذي سبق في مناوراتٍ سابقةٍ سوف يسبق في المرّة القادمة أيضاً ، وأنّ الدواء الذي نجح في علاج أمراضٍ معيَّنةٍ سوف ينجح في علاج أعراضٍ مَرَضيةٍ مشابهة ، وأنّ الفعل المشابه للحرام في أكثر خصائصه يشاركه في الحرمة.
والسؤال الأساسي في هذا البحث : ما هي حدود العقل أو الإدراك العقلي الذي يقوم بدور الوسيلة الرئيسية لإثبات العناصر المشتركة في عملية الاستنباط؟ فهل يمكن استخدام الإدراك العقلي كوسيلةٍ للإثبات مهما كان مصدره ومهما كانت درجته ، أوْ لا يجوز استخدام الإدراك العقلي كوسيلةٍ للإثبات إلّا ضمن حدودٍ معيَّنةٍ من ناحية المصدر أو الدرجة؟
وقد اتّجه البحث حول هذه النقطة نحو معالجة الدرجة أكثر من اتّجاهه نحو معالجة المصدر ، فاتّسعت الدراسات الاصولية التي تناولت حدود العقل من ناحية الدرجة ، واختلفت الاتّجاهات حول مدى شمول العقل وحدوده ـ بوصفه وسيلة إثباتٍ رئيسية ـ فهل يشمل الإدراكات الناقصة التي تؤدّي إلى مجرّد الترجيح ، أو يختصّ بالادراك الكامل المنتج للجزم؟
ولهذا البحث تأريخه الزاخر في علم الاصول وفي تأريخ الفكر الفقهي ،