سنة ١٨٩ ه ـ بينما قد لا نجد التصنيف الواسع في علم الاصول على الصعيد الشيعي إلّا في أعقاب الغيبة الصغرى ـ أي في مطلع القرن الرابع ـ بالرغم من وجود رسائل سابقةٍ لبعض أصحاب الأئمّة عليهمالسلام في مواضيع اصوليةٍ متفرّقة (١).
وما دمنا قد عرفنا أنّ نموّ التفكير الاصولي ينتج عن الحاجة إلى الاصول في عالم الاستنباط ، وأنّ هذه الحاجة تأريخية تتّسع وتشتدّ بقدر الابتعاد عن عصر النصوص فمن الطبيعي أن يوجد ذلك الفارق الزمني وأن يسبق التفكير الاصولي السنّي الى النموّ والاتّساع ؛ لأنّ المذهب السنّي كان يزعم انتهاء عصر النصوص بوفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحين اجتاز التفكير الفقهي السنّي القرن الثاني كان قد ابتعد عن عصر النصوص بمسافةٍ زمنيةٍ كبيرةٍ تخلق بطبيعتها الثغرات والفجوات في عملية الاستنباط ؛ الأمر الذي يوحي بالحاجة الشديدة إلى وضع القواعد العامة الاصولية لملئها.
وأمّا الإمامية فقد كانوا وقتئذٍ يعيشون عصر النصّ الشرعي ؛ لأنّ الإمام عليهالسلام امتداد لوجود النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكانت المشاكل التي يعانيها فقهاء الإمامية في الاستنباط أقلَّ بكثيرٍ إلى الدرجة التي لا تفسح المجال للإحساس بالحاجة الشديدة إلى وضع علم الاصول.
ولهذا نجد أنّ الإمامية بمجرّد أن انتهى عصر النصوص بالنسبة إليهم ببدء الغيبة أو بانتهاء الغيبة الصغرى بوجهٍ خاصٍّ تفتّحت ذهنيتهم الاصولية وأقبلوا على
__________________
(١) ككتاب «اختلاف الحديث ومسائله» ليونس بن عبد الرحمن ، وكتاب «الخصوص والعموم» و «إبطال القياس» و «نقص اجتهاد الرأي» لأبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، راجع : تأسيس الشيعة : ٣١١