وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون ، وأقول ما عندي على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه اصولنا بعد أن أذكر اصول جميع المسائل ... ، وهذا الكتاب إذا سهّل الله تعالى إتمامه يكون كتاباً لا نظير له ، لا في كتب أصحابنا ، ولا في كتب المخالفين ، لأنى إلى الآن ما عرفت لأحدٍ من الفقهاء كتاباً واحداً يشتمل على الاصول والفروع مستوفياً مذهبنا ، بل كتبهم وإن كانت كثيرةً فليس يشتمل عليهما كتاب واحد. وأمّا أصحابنا فليس لهم في هذا المعنى ما يشار إليه ، بل لهم مختصرات» (١).
وهذا النصّ يعتبر من الوثائق التأريخية التي تتحدّث عن المراحل البدائية من تكوّن الفكر الفقهي التي مرّ بها علم الشريعة لدى الإمامية ونما من خلالها حتى أنتج أمثال الشيخ الطوسي من النوابغ الذين نقلوه إلى مستوى أوسع وأعمق.
ويبدو من هذا النصّ أنّ البحث الفقهي الذي سبق الشيخ الطوسي وأدركه هذا الفقيه العظيم وضاق به كان يقتصر في الغالب على استعراض المعطيات المباشرة للأحاديث والنصوص ، وهي ما سمّاها الشيخ الطوسي باصول المسائل ، ويتقيّد في استعراض تلك المعطيات بنفس الصيغ التي جاءت في مصادرها من تلك الأحاديث. ومن الطبيعي أنّ البحث الفقهي حين يقتصر على اصول المسائل المعطاة بصورةٍ مباشرةٍ في النصوص ويتقيّد بصيغتها المأثورة يكون بحثاً منكمشاً لا مجال فيه للإبداع والتعمّق الواسع النطاق.
وكتاب المبسوط كان محاولةً ناجحةً وعظيمةً في مقاييس التطور العلمي لنقل البحث الفقهي من نطاقه الضيِّق المحدود في اصول المسائل إلى نطاقٍ واسعٍ
__________________
(١) المبسوط ١ : ١ ـ ٣