يمارس الفقيه فيه التفريع والتفصيل والمقارنة بين الأحكام ، وتطبيق القواعد العامة ، ويتتبّع أحكام مختلف الحوادث والفروض على ضوء المعطيات المباشرة للنصوص.
وبدرس نصوص الفقيه الرائد ـ رضوان الله عليه ـ في العدّة والمبسوط يمكننا أن نستخلص الحقيقتين التاليتين :
إحداهما : أنّ علم الاصول في الدور العلمي الذي سبق الشيخ الطوسي كان يتناسب مع مستوى البحث الفقهي الذي كان يقتصر وقتئذٍ على اصول المسائل والمعطيات المباشرة للنصوص ، ولم يكن بإمكان علم الاصول في تلك الفترة أن ينمو نموّاً كبيراً ؛ لأنّ الحاجات المحدودة للبحث الفقهي الذي حصر نفسه في حدود المعطيات المباشرة للنصوص لم تكن تساعد على ذلك ، فكان من الطبيعي أن ينتظر علم الاصول نموّ التفكير الفقهي واجتيازه تلك المراحل التي كان الشيخ الطوسي يَضيق بها ويشكو منها.
والحقيقة الاخرى هي : أنّ تطوّر علم الاصول الذي يمثّله الشيخ الطوسي في كتاب «العدّة» كان يسير في خطٍّ موازٍ للتطوّر العظيم الذي انجز في تلك الفترة على الصعيد الفقهي. وهذه الموازاة التأريخية بين التطورين تعزِّز الفكرة التي قلناها سابقاً (١) عن التفاعل بين الفكر الفقهي والفكر الاصولي ، أي بين بحوث النظرية وبحوث التطبيق الفقهي ، فإنّ الفقيه الذي يشتغل في حدود التعبير عن مدلول النصّ ومُعطاهُ المباشر بنفس عبارته أو بعبارةٍ مرادفةٍ ويعيش قريباً من عصر صدوره من المعصوم لا يحسّ بحاجةٍ شديدةٍ إلى قواعد ، ولكنّه حين يدخل في مرحلة التفريع على النصّ ودرس التفصيلات وافتراض
__________________
(١) تحت عنوان : التفاعل بين الفكر الاصولي والفكر الفقهي