فروضٍ جديدةٍ لاستخراج حكمها بطريقةٍ ما من النصّ يجد نفسه بحاجةٍ كبيرةٍ ومتزايدةٍ إلى العناصر والقواعد العامة ، وتنفتح أمامه آفاق التفكير الاصولي الرحيبة.
ويجب أن لا نفهم من النصوص المتقدّمة التي كتبها الشيخ الطوسي أنّ نقل الفكر الفقهي من دور الاقتصار على اصول المسائل والجمود على صيغ الروايات إلى دور التفريع وتطبيق القواعد قد تمّ على يد الشيخ فجأةً وبدون سابق إعداد ، بل الواقع أنّ التطوّر الذي أنجزه الشيخ في الفكر الفقهي كان له بذوره التي وضعها قبله استاذاه السيّد المرتضى والشيخ المفيد وقبلهما ابن أبي عقيل وابن الجنيد ، كما أشرنا سابقاً (١) ، وكان لتلك البذور أهمّيتها من الناحية العلمية ، حتى نقل (٢) عن أبي جعفر بن معد الموسوي ـ وهو متأخّر عن الشيخ الطوسي ـ أنّه وقف على كتاب ابن الجنيد الفقهي واسمه «التهذيب» ، فذكر أنّه لم يرَ لأحدٍ من الطائفة كتاباً أجود منه ، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ، ولا أرقّ معنىً منه ، وقد استوفى فيه الفروع والاصول ، وذكر الخلاف في المسائل ، واستدلّ بطريق الإمامية وطريق مخالفيهم.
فهذه الشهادة تدلّ على قيمة البذور التي نمت حتّى آتت اكُلها على يد الطوسي.
وقد جاء كتاب «العدّة» للطوسي ـ الذي يمثّل نموّ الفكر الاصولي في أعقاب تلك البذور ـ تلبيةً لحاجات التوسّع في البحث الفقهي. وعلى هذا الضوء نعرف أنّ من الخطأ القول بأنّ كتاب «العدّة» ينقض العلاقة بين تطور الفقه وتطور
__________________
(١) سبق تحت عنوان : التصنيف في علم الاصول
(٢) نقله عنه العلّامة في إيضاح الاشتباه : ٢٩١ في ترجمة «ابن الجنيد»