لما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله ما يصيب أصحابه من البلاء ، وماهو فيه من العافية ، بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب عليهالسلام ، وأنّه لا يقدر على أن يمنعهم ممّاهم فيه من البلاء ـ إلاّ بالقتال ـ أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : إنّ بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله عزّوجلّ للمسلمين فرجاً (١).
وهكذا اختاروا الهجرة على أي موقف آخر ، لانّ الإسلام لايرغب في القتال ابتداءً ، ولا يرغب في المواجهة المسلحة في بداية الطريق لتجنب الدماء وللحفاظ على أرواح الناس من مسلمين ومشركين مادام هنالك أمل في انضوائهم تحت راية الإسلام عاجلاً أم آجلاً ، فكانت الهجرة تجنباً لحدوث صراع دموي يخلّف الاحقاد في القلوب والمشاعر ، ويحول دون تحقيق أهداف الدين الجديد في دعوته إلى هداية الناس جميعاً.
لما رأت قريش أنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله قد نزلوا بلداً أصابوا منه أمناً وقراراً ، وأنّ النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم ، وجعل الإسلام يفشو في القبائل ، اجتمعوا وتآمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبدالمطّلب ؛ على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ، ولا يبيعوهم شيئاً ، ولا يبتاعوا منهم ، فلما كتبوا الصحيفة وعلقوها في جوف الكعبة ، انحازت بنو هاشم وبنو عبدالمطلب إلى أبي طالب عليهالسلام فدخلوا معه شعبه ، فأقاموا على ذلك أربع
__________________
(١) بحار الأنوار ١٨ : ٤١٢.