سنين لا يأمنون إلاّ من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبايعون إلاّ في الموسم ، وأصابهم الجهد ، وبعثت قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّداً حتى نقتله ، ونملّكك علينا ، فقال أبو طالب عليهالسلام قصيدته اللاّمية والتي جاء فيها :
كذبتم وبيت الله يبزى محمّد |
|
ولما نطاعن دونه ونقاتل (١) |
وتوفي مؤمن قريش أبو طالب رضوان الله تعالى عليه بعد انتهاء المقاطعة بوقت قصير ، فاشتدّ البلاء على رسول الله صلىاللهعليهوآله ونالت قريش منه من الاذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب عليهالسلام ، حتى اعترضه أحدهم فنثر على رأسه تراباً ، وكان صلىاللهعليهوآله يقول : « ما نالت منّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبوطالب » (٢).
وقابل رسول الله صلىاللهعليهوآله الأذى بالصبر والتحمّل ، ولم يتخذ أيّ موقف يؤدي إلى إراقة الدماء طمعاً في إيمان الكثير من المشركين ولو بعد حين.
استمر رسول الله صلىاللهعليهوآله على الدعوة السلمية في داخل مكة وخارجها ، وكان يعرض الإسلام على القبائل القادمة من خارج مكة في موسم الحج ، ففي أحد المواسم التقى مع جماعة من أهل يثرب فدعاهم إلى الله عزّوجلّ ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ، فأجابوه فيما دعاهم اليه ثم انصرفوا إلى بلادهم ، حتى إذا كان العام المقبل لقوه عند العقبة وبايعوه.
وبعد عام من هذه البيعة خرج جماعة من مسلمي يثرب إلى الموسم حتى
__________________
(١) بحار الأنوار ١٩ : ١ ، ٢.
(٢) مناقب آل أبي طالب / العلاّمة ابن شهرآشوب المازندراني ١ : ٦٧ ، باب ذكر سيّدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فصل فيما لقيه صلىاللهعليهوآله من قومه بعد موت عمّه.