قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله عند العقبة ، وبايعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله سرّاً على الحماية والنصرة ، وحينما علمت قريش بالخبر اقبلوا بالسلاح ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله للمبايعين : « تفرّقوا » ، فقالوا : يارسول الله أن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لم أؤمر بذلك ، ولم يأذن الله لي في محاربتهم » (١).
وفي كتب المغازي والسير والحديث وغيرها في مسألة الإذن بالقتال ماحاصله : إنه كان رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء ، إنما يأمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل ، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ، ونفوهم من بلادهم ، فهم من بين مفتون في دينه ، ومن بين معذّب في ايديهم ، وبين هارب في البلاد فراراً منهم ، منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة ، وفي كل وجه ؛ فلما عتت قريش على الله عزّوجلّ ، وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذّبوا نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وعذّبوا ونفوا من عبده ووحّده وصدّق نبيّه واعتصم بدينه ، أذن الله عزّوجلّ لرسوله صلىاللهعليهوآله في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ، فكانت أول آية نزلت في الإذن في الحرب ، وإحلال الدماء والقتال ، لمن بغى عليهم ، قول الله تبارك وتعالى : ( اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَـقَدِيرٌ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلأَ أنْ يَـقُولُوا رَبُّـنَا اللهُ ... ) (٢).
فلما أذن الله تعالى له صلىاللهعليهوآله في الحرب ، وبايعه هذا الحيّ من الأنصار على
__________________
(١) بحار الانوار ١٩ : ١٣.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٣٩ و ٤٠.