التوحيد والاصلاح ، فهاجر إلى المدينة لنشر دعوته ، وجمع المسلمين في مكان بعيد عن مشركي مكّة ، وأوّل عمل قام به في دار الهجرة أنّه صلىاللهعليهوآله آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار ليكونوا في حماية جمعية واحدة ، وقد اختار صلىاللهعليهوآله من بين الجميع عليّاً عليهالسلام أخاً. فانتظم له في هجرته زيادةً على من ذكرنا إسلامه إسلام كثير من العرب بالطوع والرغبة ، ومن جملتهم قبائل اليمن ، وحضرموت ، والبحرين. بل ما من قبيلة من القبائل التي حاربته إلاّ ويذكر التاريخ المعلوم أن اُناساً منها أسلموا بالطوع والرغبة. فمنهم من تجاهر بإسلامه ، ومنهم من تستّر به إلى حين. (١)
وأما حروبه فان أساس التاريخ الذي يذكرها يقرنها بذكر أسبابها التي يعلم منها انه لم تكن حرب من حروبه إبتدائياً لمحض الدعوة إلى الإسلام ، وإن جاز ذلك للإصلاح الديني والمدني ، وتثبيت نظام العدل والمدنية ، ورفع الظلم والطبائع الوحشية الجائرة القاسية. لكن دعوته الصالحة الفاضلة تجنّبت هذا المسلك ، وسلكت فيما هو أرقى منه ، وهو الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. كما جاء هذا التعليم الأساسي في الآية السادسة والعشرين من سورة النحل المكيّة ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ). وقد استمرّت سيرته الصالحة على ذلك. فكانت حروبه بأجمعها دفاعاً لعدوان المشركين الظالمين عن التوحيد وشريعة الإصلاح والمسلمين.
__________________
(١) الرحلة المدرسية / الشيخ البلاغي : ١٩٤ ـ ١٩٦ ، ط ٤ ، دار المرتضى ـ بيروت.