لم يهب في دعوته طاغوتاً ، ولم يستحقر فيها صعلوكاً ، يدعو الشريف والحقير ، والمرأة والعبد ، وقد آمن في خلال هذه الدعوة بدعوته الثقيلة على الأهواء من كلّ وجهة خلق كثير من أهل مكّة وضواحيها من قريش وغيرهم ، واحتملوا في سبيل ذلك أشدّ الاضطهاد والهوان والجلاء عن الأوطان إلى الحبشة وغيرها ، فكم من شريف في قبيلته عزيز في أهله وقومه صار بإسلامه مهاناً مضطهداً ، وكلّ هذا لم يصدّ الناس عن الإسلام ، لا يصدّ الضعيف ما يقاسيه من العذاب ، ولا يصدّ الشريف العزيز ما يلاقيه من الهوان ، يرون الإسلام هو العزّ والشرف والحياة والسعادة.
وفي السنة الخامسة هاجر إلى الحبشة من جملة المؤمنين اثنان وثمانون رجلاً من أشراف قريش وأتباعهم وذوي العزّة ومعهم مثلهم أو أكثر منهم من النساء المسلمات الشريفات ، وبقي كثير من المؤمنين في مكّة وغيرها يقاسي أكثرهم سوء العذاب. وكلّ هذا لا يصدّ الناس عن إظهار الإسلام.
وقد أقبل على الإيمان بدعوة الرسول محمّد صلىاللهعليهوآله وهو بمكّة قبائل الأوس ، والخزرج وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وخزاعة.
ولا يخفى أنّ النبيَّ محمّداً صلىاللهعليهوآله كان عزيز قريش من بيت سيادتها وعزّها ، تسمّيه قريش الصادق الأمين ، يودع عنده مشركو قريش والعرب ذخائرهم إلى حين هجرته ، ومع ذلك كان يقاسي الأذى الشديد من المشركين والاستهزاء والتكذيب لدعوته ، والحبس مع بني هاشم في الشعب. وهو مع ذلك متمسّك بالتحمّل والصبر الجميل ، وشعار السلم لا يفتر عن دعوته ونشرها وبثّ تعاليمه الفاضلة وحماية التوحيد وإبطال الوثنية. حتى إذا اشتدّ عليه الاضطهاد وتعاقد المشركون على قتله ، عزم على أن يقطع مادة الفساد ويحافظ على دعوة