تلك الحروب ؛ لنرى كيف كان النبي صلىاللهعليهوآله مدفوعاً إليها نتيجة اتفاق كلمة الكفر مع جلّ أهل الكتاب على مقاومة الدين الفتيّ بكل ما استطاعوا إليه سبيلاً ، فنقول كما قال الشيخ البلاغي رحمهالله.
إنّ بلاد العرب كانت على أقبح جانب من العبادة الوثنية الأهوائية والطبائع القاسية الوحشية وخشونة الظلم والجور وإدمان الحروب والغارات ، قد إمتازت كلّ قبيلة بجبروت رياستها واستقلت بعصبية قوميتها حتى ان كلّ قبيلة اختصّت بصنم معبود لئلاّ تخضع إلى قبيلة اُخرى.
واستمرّوا على ذلك أجيالاً متعدّدة تتراكم عليهم فيها ظلمات الوحشية وضلالات الوثنية وعوائد الظلم وقساوة العداوة والحروب المبيدة الفظيعة ، بل كانت الدنيا بأسرها مرتبكة بين العبادة الأوثانية الصريحة. وبين التثليث وتجسيد الإله والسجود للأيقونات « الصور والتماثيل ». وإن جرى لفظ التوحيد على بعض الألسن لفظاً بلا معنى.
وعند تراكم هذه الظلمات والضلالات وهيجان براكينها الهائلة جاء صاحب دعوة الإسلام والتوحيد الحقيقي النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله وأعلن بين العرب بادئ بدء بدعوة الإسلام التي هي أثقل عليهم من الجبال. فدعاهم جهاراً إلى رفض معبوداتهم من الأوثان وترك عاداتهم الوحشية وإلى الخضوع لعدل المدنية ، والتجمّل بالأخلاق الفاضلة والآداب الراقية.
واستمرّ على هذه الدعوة في مكّة نحو ثلاثة عشر سنة ، وفي السنة الثالثة أعلن بدعوته لعامة الناس إعلاماً تامّاً ، وصار ينادي بها في جميع أيامه في المحافل والمواسم بجميل الموعظة وقاطع الحجة والإنذار بالعقاب والبشرى بالثواب وحسن الترغيب والترهيب وتلاوة القرآن والأعذار بالنصيحة.