واحتراماً للحريات العامة وقد تقدّم ذكرها.
وكان غير المسلمين في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله يتمتعون بحرية التفكير وفي إبداء وجهات نظرهم وآرائهم دون ضغط أو إكراه ، وكانت تلك الآراء تلقى على مسامع رسول الله صلىاللهعليهوآله .
عن عبدالله بن عباس : إنّ عبدالله بن صوريا وكعب بن الأشرف ومالك ابن الصيف وجماعة من اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الإسلام كل فرقة تزعم انها أحقّ بدين الله من غيرها ، فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء ، وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب ، وكل فريق منهما قالوا للمؤمنين : كونوا على ديننا ، فانزل الله تعالى : ( وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١).
وقيل : ان ابن صوريا قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله : ما الهدى إلاّ ما نحن عليه فاتبعنا يا محمّد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية (٢).
ولم تقتصر الحرية في الرأي على أهل الكتاب ، بل شملت حتى المشركين من غيرهم ، فحينما قدم وفد بني تميم على رسول الله صلىاللهعليهوآله نادوه من وراء الحجرات : « اخرج إلينا يا محمّد » ، فخرج إليهم ، فقالوا : جئناك لنفاخرك فاذن لشاعرنا وخطيبنا ، فقال : « قد أذنت » ، فقام عطارد بن حاجب وقال : الحمد لله الذي جعلنا ملوكاً والذي له الفضل علينا ، والذي وهب علينا أموالاً عظاماً نفعل بها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثر عدداً وعدّة ، فمن مثلنا في
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥.
(٢) مجمع البيان ١ : ٢١٦.