فقلت له : أمّا قول الله : فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ . فليس لك حجّة على موضع القياس ، لأنَّ الله تعالى ذكر أمر اليهود وجنايتهم على أنفسهم في تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ما يستدلُّ به على حقّيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنَّ الله تعالى أمدَّه بالتوفيق ونصره وخذل عدوَّه ، وأمر الناس باعتبار ذلك ليزدادوا بصيرةً في الإيمان ، وليس هذا بقياس في المشروعات ولا فيه أمر بالتعويل على الظنون في استنباط الأحكام .
وأمّا قوله سبحانه : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ . ليس فيه أنَّ العدلين يحكمان في جزاء الصيد بالقياس ، وإنّما تعبد الله عباده بإنفاذ الحكم في الجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نصِّ الله تعالى ، ولو كان حكمهما قياساً لكانا إذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قد قاسا مع وجود النصِّ بذلك ، فيجب أن يتأمّل هذا .
وأمّا الخبران اللّذان أوردتهما فهما من أخبار الآحاد الّتي لا تثبت بهما الاُصول المعلومة في العبادات ، على أنَّ رواة خبر معاذ مجهولون وهم في لفظه أيضاً مختلفون فمنهم روى أنّه لمّا قال : أجتهد رأيي . قال له عليهالسلام : لا ، اكتب إليَّ أكتب إليك . ولو سلّمنا صيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل أن يكون معنى « أجتهد رأيي » : إنّي أجتهد حتّى أجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب والسنّة .
وأمّا رواية الحسن عليهالسلام ففيه تصحيف ممّن رواه والخبر المعروف أنّه قال : فإن لم يجد شيئاً في السنّة زجر فأصاب . يعني بذلك : القرعة بالسهام ، وهو مأخوذ من الزجر ، والفال والقرعة عندنا من الأحكام المنصوص عليها وليست بداخلة في القياس ، والآيات والأخبار دالّة على نفيه ، (١) قال الله تعالى : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . (٢) لسنا نشكُّ أنَّ الحكم بالقياس حكم بغير التنزيل . وقال سبحانه : وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ . (٣) ومستخرج الحكم في الحادثة بالقياس لا يصحّ أن يضيفه إلى الله ولا إلى رسوله ، وإذا لم يصحَّ إضافته إليهما فإنّما هو مضاف إلى القائس وهو المحلّل والمحرّم في الشرع من عنده وكذب
________________________
(١) تقدم روايات في حكاية ذلك عن علي عليه السلام في باب أنهم عليهم السلام عندهم مواد العلم .
(٢) المائدة : ٤٤ . |
(٣) النحل : ١١٦ . |