رأياً ولا مقياساً حتّى يكون ذلك واضحاً عنده كالوحي من الله ، وفي ذلك دليل لكلِّ ذى لبّ وحجى ، إنَّ أصحاب الرأي والقياس مخطئون مدحضون وإنّما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل ، فإيّاك أيّها المستمع أن تجمع عليك خصلتين : إحديهما القذف بما جاش بصدرك واتّباعك لنفسك إلى غير قصد ولا معرفة حدّ ، والاُخرى استغناؤك عمّا فيه حاجتك وتكذيبك لمن إليه مردُّك ، وإيّاك وترك الحقِّ سأمةً وملالةً وانتجاعك الباطل جهلاً وضلالةً ، لأنّا لم نجد تابعاً لهواه جائزاً عمّا ذكرنا قطُّ رشيداً فانظر في ذلك .
بيان : جاش أي غلا ، ويقال : انتجعت فلاناً إذا أتيته تطلب معروفه . ولا يخفى عليك بعد التدبُّر في هذا الخبر وأضرابه أنّهم سدُّوا باب العقل بعد معرفة الإمام (١) وأمروا بأخذ جميع الاُمور منهم ، ونهوا عن الاتّكال على العقول الناقصة في كلِّ باب .
٧٨ ـ سن : بعض أصحابنا ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن ميسرة بن شريح ، قال شهدت أبا عبد الله عليهالسلام في مسجد الخيف وهو في حلقة فيها نحو من ماءتي رجل وفيهم عبد الله بن شبرمة فقال : يا أبا عبد الله إنّا نقضي بالعراق فنقضي من الكتاب والسنّة ، وترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي . قال : فأنصت الناس جميع من حضر للجواب ، وأقبل أبو عبد الله عليهالسلام على من على يمينه يحدِّثهم ، فلمّا رأى الناس ذلك أقبل بعضهم إلى بعض وتركوا الإنصات ، ثمَّ تحدَّثوا ما شاء الله ، ثمَّ إنَّ ابن شبرمة قال : يا أبا عبد الله إنّا قضاة العراق وإنّا نقضي بالكتاب والسنّة وإنَّه ترد علينا أشياء ونجتهد فيها الرأي قال : فأنصت جميع الناس للجواب وأقبل أبو عبد الله عليهالسلام على من على يساره يحدِّثهم فلمّا رأى الناس ذلك أقبل بعضهم على بعض وتركوا الإنصات ، ثمَّ إنَّ ابن شبرمة سكت ما شاء الله ، ثمَّ عاد لمثل قوله ، فأقبل أبو عبد الله عليهالسلام فقال : أيّ رجل كان عليّ بن أبي طالب ؟ فقد كان
________________________
(١) هذا ما يراه الاخباريون وكثير من غيرهم وهو من أعجب الخطاء ، ولو ابطل حكم العقل بعد معرفة الامام كان فيه ابطال التوحيد والنبوة والامامة وسائر المعارف الدينية ، و كيف يمكن أن ينتج من العقل نتيجة ثم يبطل بها حكمه وتصدق النتيجة بعينها ، ولو اريد بذلك أن حكم العقل صادق حتى ينتج ذلك ثم يسدّ بابه كان معناه تبعيّة العقل في حكمه للنقل وهو أفحش فساداً فالحق : أن المراد من جميع هذه الاخبار النهي عن اتباع العقليات فيما لا يقدر الباحث على تميز المقدمات الحقة من المموّهة الباطلة . ط